الأثنين 2020/03/09

البورصات تقترب من انهيار عالمي بعد إطلاق السعودية «حرب الأسعار»: دول أوبك تفقد 500 مليون دولار يوميا

تسبب قرار السعودية خفض اسعار النفط بحالة من الهلع في الأسواق العالمية في رسالة شديدة اللهجة إلى منافسيها وبينهم روسيا.

وشهدت البورصات العالمية تراجعات حادة، أمس الإثنين، في حين فاقمت جميع البورصات العربية التراجع الذي بدأ الأحد، مدفوعة بشكل أساسي بانهيار أسعار النفط الخام لأدنى مستوياته منذ الربع الأول من عام 2016، وذلك بعد أن أطلقت السعودية «حرب أسعار».

وتراجعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت تسليم مايو/أيار بنسبة 29 ٪ أو 13 دولاراً إلى 32.5 دولار للبرميل، قبل أن تقلص خسائرها ليستقر خام برنت على 36 دولاراً.

ويأتي ذلك مع فشل تعميق وتمديد اتفاق خفض الإنتاج من جانب تحالف (أوبك+)، ما دفع السعودية إلى تنفيذ خفض كبير على أسعار أنواع النفط التي تنتجها، واعتزامها تنفيذ زيادة غير محدودة في الإنتاج بهدف الضغط على شريكتها موسكو.

وتفيد حسابات أجرتها رويترز أنه في ظل فقد النفط أكثر من ثلث قيمته بين عشية وضحاها، تنزف الدول الأعضاء في أوبك أكثر من نصف مليار دولار يوميا بسبب فاقد الإيرادات.

ففي معظم الحالات، يتصدر النفط قائمة مصادر الدخل بالنسبة لأعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول وسيفرض مثل هذا النزول الحاد في الأسعار ضغطا على اقتصاداتها، وبعضها بالفعل، مثل إيران وفنزويلا، على حافة الهاوية.

وسجّلت أسواق المال في السعودية ودول الخليج الأخرى خسائر كبرى أمس الإثنين، وذلك لليوم الثاني على التوالي. وأغلق سوق المال السعودية «تداول»، الأكبر في المنطقة، بانخفاض 7,8٪.

وتراجعت في بداية التعاملات قيمة سهم شركة أرامكو، عملاق النفط، بنسبة 10 في المئة وهو مستوى قياسي، لتبلغ 27 ريالا. وعاد سهم أرامكو لتقليص خسائره الصباحية بنحو النصف عند الإغلاق.

وخسرت أرامكو الأحد والاثنين أكثر من 250 مليار دولار من قيمتها التي باتت تراوح عند 1,49 تريليون دولار، بعيدا عن مستوى تريليوني دولار الذي أصرّ عليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل إدراج الشركة في السوق في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وكان سهم أرامكو هبط الأحد إلى ما دون سعر الطرح الرئيسي وهو 32 ريالا (8,5 دولارات)، لأول مرة منذ إدراج الشركة في البورصة في 11 كانون الأول/ديسمبر في أكبر عملية اكتتاب في التاريخ.

وسجّل مؤشر سوق دبي انخفاضا بنحو 8,3 في المئة عند الإغلاق في أسوأ نسبة له منذ سبع سنوات، أما مؤشر سوق أبو ظبي فتراجع بنسبة 8,1٪ في أدنى معدل منذ 4 سنوات، وتراجعت بورصة قطر 9,7٪.

وتراجعت بورصة الكويت بنسبة 10,3 في المئة ما اضطر السلطات المالية إلى وقف التعاملات فيها لليوم الثاني على التوالي.

أما بورصة عمان فتراجعت بنحو 5,6٪، وسجلت بورصة البحرين تراجعا ب 5,8٪.

أما على المستوى العالمي، فتراجعت الأسواق الأوروبية بشكل كبير مع انخفاض مؤشر فوتسي في لندن أكثر من 6.5 ٪ بعد ظهر الإثنين، ومؤشر داكس في فرانكفورت بنحو 7٪، في أعقاب خسارات كبيرة في الأسواق الآسيوية. وتراجعت أسواق الأسهم أكثر من 5 ٪ في طوكيو و7 ٪ في سيدني، ملحقة خسائر بمئات مليارات الدولارات من قيمة شركات بعد أسابيع من الخسائر.

وتم تعليق التداول في بورصة «وول ستريت» في نيويورك بشكل موقت صباح الإثنين جرّاء الخسائر الكبيرة الناجمة عن تراجع أسعار النفط وتصاعد المخاوف من فيروس «كورونا» المستجد. وجاء قرار تعليق التداول بعدما بلغت خسائر «أس آند بي 500» 7٪. ولحظة التعليق كان مؤشر «داو جونز» قد سجل انخفاضاً بنسبة 7.29٪، ومؤشر «ناسداك» بنسبة 6.68٪. وأطلق خسارة «أس أند بي 500» نسبة 7٪ تلقائياً آلية تعليق مؤقت للتداولات، ما أتاح للسوق والمستثمرين التقاط أنفاسهم.

وإذا خسر المؤشر نسبة 13٪، يجري تعليق التداولات مرةً ثانية لمدة 15 دقيقة.

وكانت منظمة «أوبك» وروسيا، شريكتها الرئيسية، قد أخفقت في التوصل الجمعة إلى تفاهم بشأن خفض إضافي في انتاج الخام بغية وضع حد لتراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ أربعة أعوام، على خلفية انتشار فيروس «كورونا» المستجد. واقترحت أوبك على موسكو وشركائها التسعة الآخرين خفضاً جماعياً إضافياً بـ1.5 مليون برميل يومياً حتى لا يؤدي انتشار الفيروس إلى تقويض ما تمّ التوصل إليه عام 2017 للحفاظ على أسعار مستقرّة.

وبعد فشل التوصل لاتفاق، أطلقت السعودية «حرب أسعار، فخفّضت أسعار النفط المطروح للبيع لديها إلى أدنى مستوياته خلال 20 عاماً، في محاولة لتأمين حصّة كبيرة في السوق.

وخفّضت المملكة سعر بيع النفط الخام لشهر نيسان/أبريل لزبائن آسيا بنحو 6 دولارات للبرميل مقارنة بآذار/مارس، و7 دولارات للولايات المتحدة، وبين 6 إلى 8 دولارات لأوروبا الغربية ومنطقة البحر المتوسط حيث تبيع روسيا جزءاً كبيراً من انتاجها النفطي.

وقال أنس الحجي الخبير في شؤون النفط في الخليج والمقيم في تكساس إنّ «الرسالة التي يريدون توجيهها (السعودية) هي» مهما كلّف الأمر»، لكنه أشار إلى ان التعاون بين الدول النفطية قد يستعيد عافيته قبل اجتماعات اوبك المقرّرة في تموز/ يوليو.

والإثنين، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة أن الاستهلاك العالمي للنفط سيتراجع هذا العام، للمرة الأولى منذ عام 2009، على خلفية الانتشار الواسع لفيروس «كورونا» المستجد.

وفي تقريرها الأخير خفضت الوكالة توقعاتها للطلب الحالي على النفط بـ 1.1 مليون برميل يوميا، في سيناريو أول، فيما يواصل الفيروس الانتشار في أنحاء العالم، ما يعني انخفاضاً سنوياً طفيفا بنحو 90 ألف برميل في اليوم، للمرة الأولى منذ 11 سنة.

وتستند هذه التوقعات على افتراض أن الصين ستتمكن من السيطرة على تفشي الفيروس بحلول نهاية الشهر، لا سيما وأن إجراءات العزل في أماكن أخرى في العالم لها أثر أقل. ويرى محللون إن انهيار الأسعار ستكون له عواقب واسعة النطاق من تراجع عائدات الاقتصادات المعتمدة على الطاقة وصولا إلى التسبب بانكماش عالمي وإعاقة مشاريع التنقيب عن النفط، لكن آثاره قد تكون كارثية خصوصا على دول الخليج التي تمثل خُمس الإمدادات العالمية من الخام وحيث يشكل دخل النفط ما بين 70 و90 ٪ من الإيرادات العامة. ومع فشل السعودية في تنويع اقتصادها، واعتماد أبو ظبي ودبي الشديد على النفط للحفاظ على التوازن الهش في اقتصاداتها مع تراجع أسعار العقارات، وانخفاض الاستثمارات، قد تضطر هذه الدول إلى اللجوء إلى تدابير تقشفية ذات حساسية سياسية واجتماعية، إلى جانب الاقتراض.