الجمعة 2020/12/25

الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.. سلالة كورونا الجديدة تفتك بالاقتصاد البريطاني

لا ينفك الاقتصاد البريطاني يستوعب صدمة حتى تأتيه أخرى تدخله في دوامة من الخسائر والمؤشرات الحمر، وما كاد سوق المال والأعمال ينتعش بعد بدء عملية التلقيح ضد فيروس كورونا حتى عاد إلى نقطة الصفر، بعد الكشف عن انتشار سلالة جديدة من فيروس كورونا، ودخول أجزاء كبيرة من البلاد في إغلاق جديد قد يستمر شهورا.

 

ووصفت صحيفة "الغارديان" (The Guardian) الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة بأنه الأسوأ منذ 3 قرون، خصوصا في ما يتعلق بنسبة النمو، ولا عجب في ذلك بعد توالي الضربات التي بدأت مع سنوات البريكست والمفاوضات الشاقة التي نجحت أخيرا في الوصول لاتفاق تاريخي،، ثم وباء كورونا وما صاحبه من إغلاق وشبه توقف لعجلة النمو، وأخيرا عودة الإغلاق بسبب انتشار السلالة الجديدة للفيروس.

 

انكماش وتشاؤم

ويسير الاقتصاد البريطاني نحو الدخول في أول ركود مزدوج منذ نصف قرن، وذلك بسبب المخاوف الجديدة من إغلاق شامل جديد، وإحجام المواطنين عن الاستهلاك، خصوصا في فترة أعياد الميلاد، مما كبد القطاع التجاري خسائر قد تبلغ ملياري جنيه إسترليني (2.71 مليار دولار).

 

ويأتي هذا بعد أن تراجع الاقتصاد البريطاني بنسبة 8.6% خلال المدة بين يوليو/تموز وأغسطس/آب، مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي. وبعد تخفيف إجراءات الإغلاق، خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، حقق الاقتصاد البريطاني نسبة نمو قياسية أنعشت الآمال بتعويض القليل من خسائر الوباء.

 

وجرت رياح الوباء بما لا تشتهي سفن الاقتصاد البريطاني، فبعد إعلان انتشار السلالة الجديدة من فيروس كورونا، حيث من المتوقع أن يتراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 2% خلال الفصل الأخير من العام الحالي، مما يعني أن الاقتصاد البريطاني سينهي 2020 بتراجع نسبته 10.6% من الناتج الداخلي الخام.

 

وحسب توقعات صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times)، فإن الوضع لن يكون أفضل خلال الشهر المقبل، حيث يتواصل مسلسل التراجع في الناتج الداخلي بنسبة 4% بداية سنة 2021، مما يعني فقدان 7 مليارات جنيه إسترليني، وهو رقم على ضخامته "يعد مقبولا بالنظر إلى الظروف الراهنة"، حسب الجريدة الاقتصادية البريطانية.

 

ودفعت حالة الشك وانعدام الثقة في الاقتصاد البريطاني البريطانيين إلى الإحجام عن الاستهلاك، حيث ارتفعت نسبة الادخار إلى 16.9% في الربع الثالث من العام الحالي، وذلك حسب أرقام الوكالة الوطنية للإحصاء، وهذه النسبة أعلى من نسبة 8% التي كانت هي معدل الادخار خلال السنوات العشر الماضية.

 

البطالة وضعف الإنفاق

وحاولت الحكومة البريطانية جاهدة إنقاذ الوظائف، والتحكم في أرقام البطالة خلال الحجر الصحي، بإطلاق برنامج حكومي يقضي بدفع الحكومة 80% من أجور الموظفين، في حدود 2500 جنيه إسترليني (3400 دولار)، مقابل أن تتعهد مؤسساتهم بعدم تسريحهم عن العمل طوال فترة الحجر.

 

وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي أظهرت بعض المؤشرات الإيجابية تحسّنًا في الاقتصاد البريطاني، مما دفع الحكومة إلى الإعلان عن انتهاء برنامجها الخاص بإنقاذ الوظائف في شهر أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن الموجة الثانية وانتشار السلالة الجديدة من فيروس كورونا دفعت وزير الخزانة ريشي سوناك إلى تمديد هذا البرنامج إلى شهر أبريل/نيسان المقبل، بعد أن ظهر أن التخلي عنه سيؤدي إلى فقدان أكثر من مليوني منصب شغل.

 

ويستفيد حاليا من برنامج الدعم الحكومي أكثر من 5 ملايين عامل في المملكة المتحدة، مما كلف خزينة الدولة 50 مليار جنيه إسترليني (68 مليار دولار)، ومع ذلك فمن المتوقع أن تبلغ أعداد العاطلين عن العمل إلى 2.6 مليون شخص مع نهاية شهر أبريل/نيسان المقبل.

 

وتظهر أرقام الوكالة الوطنية للإحصاء أن القطاع الأكثر تضررا هو قطاع السياحة وخدمات الترفيه، وسجلت المدة بين يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول فقدان 370 ألف شخص وظائفهم، وهو أعلى رقم منذ سنة 1992 ليرتفع معدل البطالة إلى 4.9%.

 

وقضى الإغلاق الجديد على آمال التجار، بعد أن سجلت التجارة الإلكترونية ارتفاعا في نشاطها بنسبة 19% مقارنة بالعام الماضي، وكانت كل التوقعات تشير إلى أن الاستهلاك سيبلغ رقما تاريخيا أثناء أعياد الميلاد، وأن يبلغ أكثر من 100 مليار جنيه إسترليني (135 مليار دولار).

 

وانهارت التوقعات بعد إعلان إغلاق جديد في جلّ مناطق البلاد، وحسب موقع "ستاتيستا" (Statista)، فإن حجم الإنفاق سيبلغ 80.9 مليار جنيه إسترليني، مسجّلا تراجعا بنحو 12.1 مليار جنيه إسترليني، مقارنة بالعام الماضي الذي أنفق فيه البريطانيون ما مجموعه 91.5 مليار جنيه.

 

وهذا الوضع زاد من حجم العجز في الميزانية العامة للدولة، التي بلغت مع نهاية الشهر الماضي 31.6 مليار جنيه إسترليني، مقارنة مع 26 مليارا خلال العام الماضي.

 

ومن أجل ضمان إجراءات حماية مناصب الشغل فقد اضطرت الحكومة إلى زيادة حجم اقتراضها، ليصل إلى مستوى قياسي في حدود 241 مليار جنيه إسترليني، مقارنة مع 188.6 مليار جنيه إسترليني خلال العام الماضي.

 

وكل هذه الأرقام غير المسبوقة في تاريخ الاقتصاد البريطاني ستؤدي، حسب مكتب الميزانية البريطاني، إلى أن يقفز العجز في الميزانية إلى 394 مليار جنيه إسترليني خلال السنة المالية 2020-2021، وهو أعلى رقم منذ الحرب العالمية الثانية.

 

فبعد الاتفاق التاريخي بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وتجنيب البلاد خسائر كانت ستكون الأسوأ منذ عقود، يأمل البريطانيون أن تخرج البلاد من الحجر بسرعة، بعد تلقيح الملايين من الأشخاص الأكثر هشاشة في مواجهة الفيروس.