الأربعاء 2020/11/25

وحدها المعارضة السورية تفاوض على طاولة واحدة “صغيرة جداً” !!

بعد أسبوع من اليوم في 30/11/2020 ستفتح طاولة اللجنة الدستورية أعمالها في جولتها الرابعة بعد مرور أكثر من عام على عقد الجولة الأولى بين وفدي هيئة التفاوض ونظام الأسد برعاية الأمم المتحدة، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 2254 (2015) القاضي بدعم عملية سياسية تقيم حكماً انتقالياً في البلاد، يعمل على صياغة دستور جديد، ويجري انتخابات حرة ونزيهة استناداً للدستور الجديد.

إذا تحدثنا عن طاولة الأمم المتحدة "التفاوضية" فالحقيقة التي يجب الاعتراف بها أنها طاولة صغيرة جداً، إضافة إلى كونها لا تتناسب مع حجم المشكلة التي تريد حلّها، فهي أيضاً لا تتناسب مع مضمون القرار 2254 الذي يطالب إضافة لموضوع الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات بعدد من القضايا التي لا تقلّ أهمية عنها مثل مكافحة الإرهاب، والتوصّل لاتفاق وقف إطلاق نار دائم، وإطلاق سراح المعتقلين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الطوعية والآمنة للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، وتأهيل المناطق المتضررة.

إذن يحتوي القرار ما يقارب ثمان سلال تفاوضية، اختزلهاالمبعوث السابق "دي مستورا" في أربع سلال هي الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، باعتبار السلال الباقية فوق تفاوضية لتعلّقها بتدابير بناء الثقة، واختصاصها بالحاجات الإنسانية، لكنه إلى تاريخ مغادرته منصبه لم يستطع فتح ولو سلّة واحدة منها، إنّما مهّد السبيل لخلفه النرويجي "بيدرسن" ليعمل "ميسّراً" لأعمال اللجنة الدستورية.

بالطبع لا يمكن اعتبار آستانا مساراً تفاوضياً للعملية السياسية لاقتصاره على الشؤون العسكرية، ولانهيار معظم اتفاقاته، كما لا يمكن اعتبار مجموعة الدول المصغّرة مساراً تفاوضياً كذلك، فالمعارضة السورية فقط هي التي تدعى أحياناً لحضور اجتماعاتها، لذا فالمسار التفاوضي السياسي الوحيد هو ما يجري في جنيف، ومع أنّ جميع الأطراف من الدول المتدخلة في الشأن السوري، سواء الحليفة للنظام، أو الصديقة للمعارضة، إلى جانب الأمم المتحدة، تتحمّل مسؤولية اختزال هذا المسار، وفشله حتى الآن، ولأسباب يطول شرحها، إلا أنّ السؤال الذي نريد طرحه هنا: لماذا استمرت المعارضة السورية في هذا المسار رغم كل المماطلة والتعطيل والفشل الذي ينتابه؟

لا يوجد دولة في العالم، أو كيانات ما دون الدولة، أو حركات تحرير ثورية أو سياسية تفاوض على مواقفها، أو مصالحها في سلّة واحدة، أو على طاولة واحدة، بل تفرّقها وتضعها في سلال عديدة وعلى طاولات عديدة.

الأنكى من ذلك، وصل الأمر بحلفاء نظام الأسد أن جعلوا من تدخّلهم ورقة تفاوضية يساومون من خلالها على مصالحهم، فعل ذلك كلٌّ من روسيا وإيران وحزب الله، يساومون الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة، وتركيا، والدول العربية، و"إسرائيل"، وبقيت وحدها المعارضة السورية ملتزمة بالطاولة الوحيدة في جنيف رغم ما تراه من المفاوضات البينية الكثيرة التي تجري هنا وهناك وعلى حسابها.

حتى ما يسمّى "الإدارة الذاتية" التابعة لحزب العمال الكردستاني التي تسيطر على منطقة شمال شرق سوريا فتحت على الأقل ثلاث طاولات تفاوضية معلنة مع كلٍّ من الولايات المتحدة، وروسيا، ونظام الأسد، ونجحت عبرها بتثبيت نفسها ومكاسبها في تلك المنطقة.

جولة اللجنة الدستورية الرابعة القادمة، التي يُتوقّع أن تكون كسابقاتها، ستكون فرصة للمعارضة لإعلان التوقف عن الاستمرار في طاولة اللجنة الدستورية فقط، واشتراط العودة إلى سلال القرار 2254 للتفاوض عليها كحزمة كاملة، وألّا تكتفي بذلك، فهي تملك حقيقة قوّة وواقعاً على الأرض تستطيع بتنظيمه وإدارته بشكل صحيح، أن تفتح طاولات تفاوضية عديدة، فقط عليها أن تقرر ذلك.