السبت 2021/03/20

هل ينجح “الأسد”  في استثمار شبح المجاعة، لإبعاد التهديد الوجودي عن نفسه؟

 

موجة من المقالات والتقارير والدرسات تنتشر في مراكز ومعاهد الأبحاث السياسية والأمنية الأوربية تحذّر من شبح المجاعة، والانهيار الاقتصادي المتسارع، والوضع الكارثي الذي وصل إليه الشعب السوري في مناطق سيطرة النظام على وجه الخصوص.

قبل الدخول في بعض التفاصيل يمكن الإضاءة على مقارنة بسيطة بين الأحوال المعيشية والاقتصادية في مناطق النفوذ الأربع في سورية: المنطقة الخاضعة للنظام، ومنطقة شمال شرق سورية بيد الميليشيات الكردية، وشمال البلاد الذي يديره الائتلاف الوطني المعارض، ومنطقة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، فإن الفرق يبدو واضحاً في أفضلية المناطق الثلاث الأخيرة على منطقة النظام، حيث لا تظهر فيها الأزمات والاختناقات في توفير المواد الأساسية مثل الخبز والمواد الغذائية والماء والكهرباء والوقود، وحتى المنظومة الطبية أظهرت أداء أفضل في ظل انتشار وباء كورونا.

النظام  وصل إلى مسامعه مثل هذه المقارنة التي يتداولها شارعه الموالي له، وهو في سبيل ذلك يستميت مع حلفائه الروس لتغيير هذه المعادلة، ولذا بدأ الروس مبكراً في التحضير لفيتو ضد تمديد قرار دحول المساعدات الإنسانية في شهر تموز/يوليو المقبل، في محاولة لخلق أزمة إنسانية في المناطق المحررة، كي تزول المقارنة بينها وبين منطقة النظام، بحرمان المناطق المحررة منها، وإجبار الأمم المتحدة على إدخالها عبر النظام حصرياً.

يجب التذكير هنا أنه في كل الأحوال فإن منطقة النظام تبقى أغنى من مناطق المعارضة، ففيها معظم المعامل والمناطق الصناعية، والأسواق التجارية الرئيسية، وجزء لا يستهان به من الموارد والثروات الطبيعية الزراعية والحيوانية والمعدنية، ويسيطر النظام على جميع الموانئ والمياه البحرية، إضافة لما يجنيه من رسوم مفروضة على السوريين، وخصوصاً المهجرين واللاجئين مقابل الحصول على وثائقهم الشخصية، وفوق هذا مصادرة أملاكهم وعقاراتهم التي خلّفوها وراءهم، والنظام يتلقّى حجم مساعدات دولية يفوق حصة المناطق المحررة، لكن الفساد والنهب المنظّم للمال العام هو السبب الرئيس لما وصل إليه الوضع الاقتصادي المتدهور اليوم، والنظام يبدّد كل هذه الموارد على عناصر أجهزته الأمنية والعسكرية، وعلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه، وعلى تكاليف آلته الحربية التي تستمر في القتل منذ عشر سنوات خلت، ومع هذا كلّه فالذي يعلم حقيقة النظام، يمكن أن يتكهّن أنه لازال يمتلك الأموال اللازمة لتخفيف أو رفع معاناة الشعب السوري، لكنه يتعمّد تجويعهم والتضييق عليهم، في سبيل إخافة أوربا ودول الجوار من موجات لجوء، أو إرهاب تضرب بلادهم، كما فعل ذلك سابقاً.

مشكلة المقاربات الأوربية الجديدة أنها لا تتوقّف عند إيجاد حلول للمشاكل الإنسانية، لكنها تربطها بتغيير العملية السياسية برمّتها، وكأن العملية السياسية هي المسؤولة عن الأحوال الاقتصادية السيئة، مع إغفال متعمّد لدور النظام في تعطيل هذه العملية السياسية.

مثال على ذلك ما كتبه "جوليان بارنز ديسي" في المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية،  تحت عنوان "عالقون في طيّ النسيان، سياسة أوربا اتجاه سورية" أنه "يتعين على الأوروبيين التوقف عن ربط مشاركتهم بنتيجة مستحيلة" وأن عليهم "تجاوز العملية السياسية المحتضرة" ، "وينبغي بدلاً من ذلك أن يبحثوا عن دعم أفضل للسوريين على الأرض ، بما في ذلك من خلال وضع مقايضة أكثر قابلية للتطبيق مع روسيا".

المقايضة المطروحة خطيرة للغاية فهي تطلب " تحولًا حازمًا في التركيز الأوروبي ، والابتعاد عن العملية السياسية التي تتمحور حول اللجنة الدستورية المختلّة وربط التأثير الأوروبي بالقضايا التي لا تزال مهمة على الأرض. الثقل السياسي والاقتصادي لأوروبا ليس هائلاً ولكن يمكن تصور أنه لا يزال بإمكانه الاعتماد على شيء إذا تم حشده في السعي لتحقيق أهداف التحول الفرعي - مثل الوصول الإنساني وتحقيق الاستقرار ، وآليات الحكم المحلي ، ومحنة المعتقلين - التي لا تهدد موقف الأسد وجودياً".

تعود المقاربة في نهايتها لتؤكد على موضوع الأسد بالقول "من الخطأ أيضًا القول إنه لا يمكن فعل أي شيء أكثر من ذلك طالما بقي الأسد في السلطة. للأوروبيين مصلحة أخلاقية واستراتيجية للمساعدة في تعزيز مرونة المجتمع السوري ويجب عليهم الالتزام بهذا المسار".

الدبلوماسية الأوربية نشطة هذه الأيام، وتوسّع اتصالاتها مع المعارضة السورية تحت ستار بحث القضايا الإنسانية، لكن يخشى أنه في القريب العاجل ستطرح مثل هذه المقاربات، ويجب على المعارضة أن تكون جاهزة للإجابة عليها.

الجسر للدراسات