الأثنين 2019/11/04

هل سيوافق الأسد على هيئة إدارة الانتخابات بعد أن وافق على اللجنة الدستورية؟


الجسر للدراسات..


أخيراً وبعد أربع سنوات من صدوره وافق نظام الأسد على بدء تنفيذ القرار 2254، في الرسالة التي أرسلها الأمين العام للأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن المؤرخة 26أيلول/سبتمبر، وأرفقها بالاختصاصات والعناصر الأساسية للّائحة الداخلية للجنة الدستورية، وأنه قد وافقت عليها كلٌّ من "حكومة الجمهورية العربية السورية، ولجنة المفاوضات السورية"، وأن المبعوث الخاص سيعمل على تسهيل عمل اللجنة "تنفيذاً منه للولاية المسندة إليه بموجب قرار مجلس الأمن 2254(2015)

ومن المعلوم للجميع أن ولاية المبعوث لا تقتصر على موضوع الدستور، وإنما تتضمن أيضاً موضوع الحكم والانتخابات، وموافقة النظام على بدء تنفيذ بند من القرار 2254 يعني بالضرورة الموافقة على بدء تنفيذ جميع بنوده الأخرى، ويبدو أن هذه هي الاستراتيجية التي يعمل المبعوث الخاص السيد "جير بدرسن"، والذي قدّم إحاطة أمام مجلس الأمن 30أيلول/سبتمبر 2019 قال فيها أنه "يجب أن يُتاح للشعب السوري المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، تشمل جميع السوريين الذين يحق لهم المشاركة بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المهجر. يستغرق عقد الانتخابات وفقاً لأعلى المعايير الدولية وقتاً طويلاًـ ولهذا فإنني بدأت التفكير في كيفية قيام الأمم المتحدة بالأعداد لهذه المهمة، من خلال الحوار مع الأطراف السورية". ولذلك يدور في أروقة الأمم المتّحدة أنّ المبعوث الخاص قام بتعيين شخصية أممية رفيعة المستوى ليكون مسؤولاً عن فتح العملية التفاوضية حول الانتخابات، جنباً إلى جنب مع انطلاق أعمال اللجنة الدستورية.

يبدو أيضاً أنّ هذا الخبر قد طرق مسامع القصر، لذا كان لافتاً للنظر في مقابلة الأسد الأخيرة على وسائل إعلامه الرسمية، وفي خروج مفاجئ عن الموضوع الذي كان يتحدّث عنه حول اللجنة الدستورية، وبسياق سؤال أشبه بأنّ الأسد طلب توجيهه له، أن يسأله المذيع عن الانتخابات، وأنّ بدرسن يعتبر  "اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في جنيف هي التي تفتح الباب للوصول إلى الحل الشامل للأزمة السورية"، وأنّ "الحل يتضمن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة وبموجب قرار مجلس الأمن 2254، وتابع طالباً موقف الرئيس بسؤاله "هل ستقبلون بإشراف أممي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية؟ وهل أصلاً هذا الموضوع من ضمن اختصاصات هذه اللجنة؟ ومن له الحق بالتصويت عملياً؟" بالطبع لم ينس المذيع استنادا إلى نظرية التجانس التي يروّج لها الأسد أن يذكّره بطريقة تحريضية، أنّ بدرسن لم يكتف بهذا وإنما أيضاً "تحدث عن ضمان مشاركة السوريين في المهجر"!!!.

 هذا السؤال كأنّما أفقد الأسد صوابه، ففي النهاية ومع تغيير الدستور ولو بشكل جذري، فإن الأمور لن تشكّل خطراً عليه، ما دامت الانتخابات ستبقى تحت السيطرة، هي اللعبة التي يحترفها النظام منذ خمسين عاماً، ويحقق فيها نسبة تقلّ بأجزاء من الواحد عن نسبة 100% التي يفضّلها، ولا يفضّل سواها، تزوير الانتخابات هو عنوان السيادة الوحيد لآل الأسد، ما عدا ذلك هو تفاصيل.

ردَّ الأسد على بدرسن بطريقة عصبية واضحة بقوله: "إذا كان يعتقد بأن القرار 2254 يعطي الصلاحية لأي جهة أممية أو غيرها لكي تقوم بالإشراف على الانتخابات، فأنا أريد أن أذكّر بأن بداية القرار تتحدث عن السيادة السورية، والسيادة السورية تعبّر عنها الدولة السورية فقط، ولا أحد آخر ولا أي جهة أخرى، فالانتخابات التي ستحصل ستكون بشكل كامل من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية، وإذا أردنا أن نقوم بدعوة أي جهة أخرى، دولية، دول، جمعيات، منظمات، أشخاص، شخصيات، لا يهم، سيكون تحت إشراف الدولة السورية وبسيادة الدولة السورية. اللجنة الدستورية لا علاقة لها بموضوع الانتخابات. لها علاقة فقط بموضوع الدستور، أما إذا كانوا يعتقدون أنهم سيعودون إلى عصر الانتداب، فسأقول لهم: هذا لن يكون سوى في أحلامكم".

إذن هذا هو الخط الحمراء للسيادة بالنسبة للأسد، أما ارتهان الدولة السورية للروس والإيرانيين وميليشيات حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، وغيرها من الميليشيات الطائفية الشيعية، وسيطرتها على مساحات واسعة من الأرض السورية، وعلى مقدرات البلاد الاقتصادية، والتحكم بقرارها السياسي، فهذا لا ينتقص من سيادة "الرئيس" ما زالت هذه الأحداث غير مقتربة من موضوع كرسي حكمه.

الحقيقة التي قد تفاجئ الأسد أنّ المعارضة السورية قطعت شوطاً واسعاً في ترتيبات الانتخابات القادمة في البلاد، فهي واحدة من السلال الأربع التي عملت عليها فترة طويلة مع المبعوث السابق السيد دي مستورا، ووصلت إلى مراحل متقدمة في فهم مشترك مع الأمم المتحدة حول إنجاز هذا البند من بنود القرار 2254.

إضافة إلى هذا الفهم المشترك مع الأمم المتحدة كان كلٌّ من المسارين الآخرين، في أستانا عبر الدول الثلاث الضامنة، وفي مسار مجموعة الدول المصغرة، قد توصّلت هي الأخرى إلى مثل هذا الفهم المشترك، وهو ما أعلنت عنه المجموعة المصغّرة في ورقتيها الصادرتين عنها، والمتضمنة ضرورة إجراء إصلاحات على المواد التي تحكم الانتخابات، وأنه بينما يجري العمل على قضية الدستور، فستكون هناك حاجة إلى تغييرات ملموسة في نظام الحكم من أجل تهيئة بيئة آمنة يمكن فيها إجراء انتخابات ذات مصداقية يمكن للجميع المشاركة فيها بحرية دون خوف من الانتقام، كما حددت العناصر التي توثر على إجراء الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، مثل الإطار الانتخابي لانتقال السلطة الذي يستوفي أعلى المعايير الدولية، وتأسيس مؤسسات انتخابية محايدة ومهنية ومتوازنة، والعمل على تطوير سجل ناخب كامل ودقيق وحالي يسمح لجميع السوريين بالمشاركة في الانتخابات والاستفتاءات.

الأسد وافق على إرسال وفده مرغماً إلى اللجنة الدستورية، فهل سيفعل مثل ذلك في هيئة إدارة الانتخابات؟