الجمعة 2018/05/11

هل ستقاتل فصائل الجنوب مع جيش الاحتلال الإسرائيلي؟


مركز الجسر للدراسات..


أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، من الناحية الإقليمية كان هذا يستجيب لرغبة دولتين في المنطقة: السعودية وإسرائيل، السعودية التي دخلت في حرب مع الإيرانيين ووكلائهم الحوثيين في اليمن وصحيح أنها تريد إنهاءها والخروج منها بأي ثمن، لكنها تريد قبل ذلك تغيير سلوكيات النظام الإيراني وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتحريك شيعة المنطقة الشرقية، فنظام الحكم الهش في السعودية لا يتحمل أي قلاقل يمكن أن تتسع لتصبح ثورة شعبية عليه.

إسرائيل من جانبها ستجد فرصة قد لا تتكرر لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وأذرعه العسكرية وخاصة مليشيا حزب الله اللبناني في وقت يكاد أن يهيمن فيه على الدولة اللبنانية بعد الانتخابات الأخيرة، إضافة للوجود الكبير للحرس الثوري الإيراني في سوريا، وانتشار القواعد العسكرية الإيرانية في مناطق عديدة في سوريا، والأخطر من ذلك انتشارها قريباً جداً من الحدود الإسرائيلية، معظم جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتبرون الحدود الشمالية (لبنان وسوريا) جبهة واحدة، وأي تحرك في إحداها سيحرك الأخرى، وإسرائيل دأبت قبل الأحداث الأخيرة في سوريا على ضرب قوافل السلاح المرسَلة لحزب الله، وهي فعلت ذلك مراراً في السنوات السبع الماضية أيضاً مع استهداف القواعد الإيرانية بشكل مباشر، لكنها بقيت على نوع من الحياد للمحافظة على هدوء الجبهة الشمالية، كما بقي النقاش الداخلي فيها دائراً حول مصلحة إسرائيل في استمرار الأسد في السلطة، أو السماح بخطوات سياسية أو عسكرية تؤدي إلى تغييره.

كيف كان موقف إسرائيل من فصائل الجيش الحر التي تقاتل النظام في الجنوب؟

يجيب عن هذا السؤال " إهود يعاري" محلل شؤون الشرق الأوسط، والمعلّق في "القناة الثانية" في التلفزيون الإسرائيلي في التقرير الذي نشره معهد واشنطن، وتحدث فيه عن "رفض كل من مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي وهيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي مراراً الاقتراحات بتجهيز بعض فصائل "المتمردين" غير الجهاديين بالأسلحة التي هم بأمسّ الحاجة إليها لمحاربة فلول جيش النظام والميليشيات المدعومة من إيران"، وأن ذلك الرفض كان "يأتي على الرغم من نداءات قادة "المتمردين" بالحصول على صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات ومدافع الهاون الثقيلة والمدفعية الخفيفة".

يتابع القول: إنه على النقيض من ذلك " كان لدى عدد قليل من مسؤولي الأمن الإسرائيليين شعور في وقت مبكر بأنه من خلال تقديم مساعدة عسكرية متواضعة إلى جماعات من المتمردين، يتم التدقيق من خلفية أفرادها، في محافظتي القنيطرة ودرعا، سيكون بإمكانهم مساعدة هؤلاء المقاتلين على التغلب على الوحدات المستنزفة التابعة لـ"الفيلق الأول" في جيش النظام المتمركز على مقربة من الحدود السورية مع إسرائيل والأردن ودمشق شمالاً. وكانت وحدات جيش النظام الخمس المنتشرة تقليدياً في هذه المنطقة قد تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح وواجهت انشقاقات وإخفاق في التجنيد. وبالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين الذين فضّلوا تسليح "المتمردين"، تمثلت الفكرة في تشجيعهم على الاستيلاء على هذه الرقعة وتمسكهم بهذا الخط على طول الطرق الجنوبية المؤدية نحو العاصمة السورية، وهي مناطق تضمّ معاقل الأسد في الكسوة وقطنا وكناكر".

هذا يفسّر الضربات العسكرية الإسرائيلية في اليومين الماضيين على معاقل الإيرانيين في الكسوة، وإسرائيل التي اكتفت سابقاً بتنفيذ مشروع "حسن الجوار" الذي يقدم المساعدات الإنسانية والطبية لما يقارب 300 ألف سوري من أبناء القنيطرة ودرعا، وعملت على بناء علاقات جيدة مع قيادات الفصائل والمجتمعات المحلية هناك، تجد نفسها اليوم في وضع مختلف عن تجربتها مع "جيش لبنان الجنوبي"، وأنها يمكن أن تنجح في إقامة حزام أمني جنوب العاصمة دمشق، بالتعاون مع فصائل الجنوب السوري.

ما هي خيارات الفصائل في الجنوب السوري؟

بعد سقوط الغوطة وتفريغ معظم ريف دمشق من مقاتلي الجيش الحر، وبدء عملية مشابهة لذلك في ريف حمص الشمالي، ترى فصائل الجنوب أن اتفاقات مناطق خفض التصعيد في طور الزوال، وأن الدور القادم لهجوم النظام سيكون عليها، ووضع الجنوب مختلف عن باقي المناطق فبالمعنى الحرفي للكلمة "لا يوجد مكان يذهبون إليه" فالشمال لن يستقبلهم مطلقاً، ومثل ذلك ستفعل الأردن، هم محشورون في هذا الجيب الضيق، وليس لديهم إلا خيار الاستسلام أو القتال حتى النهاية.

خيار الاستسلام غير وارد، والفصائل ستدرس أفضل الظروف التي تتيح لها البقاء على قيد الحياة، والتسمك ولو بمساحة جغرافية أقل من الحالية تضمن عدم تعريضهم، وتعريض المدنيين للإبادة الجماعية، أو لخطر العودة إلى حكم وسيطرة النظام.

الفصائل بوضعها الحالي غير قادرة على المواجهة لتحقيق تلك الأهداف، فهي منهكة بعد هذه السنوات السبع، وبرنامج التسليح والتدريب الأمريكي توقف بقرار من ترامب، وهي مضطرة للبحث عن حليف لها يدعمها في معركة البقاء الأخيرة لها.

من سيكون هذا الحليف؟

كما سبق في المقدمة، السعودية وإسرائيل هما المستفيد الأول من قرار ترامب في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ولهما هدف مشترك في تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وبوجود الأمير السعودي "محمد بن سلمان" سيكون مقبولاً في السياسة السعودية ظهور تحالف علني بين السعودية وإسرائيل في معركة ضد إيران تكون ساحتها الأراضي السورية فقط دون لبنان، حيث ليس للسعودية هناك حليف يمكن أن تعتمد عليه بعد ذهاب نفوذ آل الحريري والسنّة اللبنانيين عموماً وانتقال القوة والهيمنة لحزب الله الشيعي الموالي لإيران، ستجد السعودية في بقايا فصائل الجنوب بغيتها وستعمل على إعادة تجهيزهم وتسليحهم وتكون هي الواجهة التي تتعامل معها، فالفصائل لن تقبل بالتعامل المباشر والعلني مع إسرائيل، سيشكّل هذا حرجاً لها، ودخول السعودية على الخط سيجعلها تتفادى اتهامات النظام لها بالعمالة والخيانة وغيرها من الأسطوانة التي يكررها النظام منذ بدأت الثورة عليه.

إسرائيل مع بدء عملياتها الحربية جنوب دمشق، تسعى لتوسيع نطاق هذه العمليات، ومنح الغطاء الجوي اللازم لحماية الفصائل التي ستشتبك مع القوات الإيرانية في تلك المنطقة.

الروس سيقفون موقف المتفرج، ويكتفون بالمطالبة بضبط النفس، فالتفاهمات بين نتنياهو وبوتين اقتضت سكوت روسيا عن العمليات العسكرية التي ستشنّها إسرائيل وستستهدف بها القوات الإيرانية على رأس القائمة، فيما النظام لن يناله شيء كبير من هذه الضربات ما لم يرضخ للضغوط الإيرانية ويزج بجيشه المهلهل في هذه المعركة.

النظام بعد أن أمّن محيط دمشق بإخراج فصائل الغوطة إلى الشمال، لديه رغبة وإن كانت غير معلنة في تحجيم نفوذ الحرس الثوري الإيراني الذي بات يتحكم حتى بقرار القصر الجمهوري، ولذا لن يكون مستغرباً أن يقف النظام أيضاً موقف المتفرج كالروس على هذه المعركة بين إسرائيل وإيران.

في كل الحالات كما كان متوقعاً.. سوريا مقبلة على صيف ملتهب قد يعيد ترتيب التحالفات والاصطفافات في الشرق الأوسط كله.