الثلاثاء 2020/05/26

هل بدأت روسيا عام القرارات الصعبة في سوريا؟

تبدو الأحداث متزاحمة على بوابة دخول العام الأخير من ولاية رئيس النظام بشار الأسد، تفصلنا أيام معدودة عن هذا الموعد، وستكون الانتخابات الرئاسية القادمة في البلاد هي الثانية وسط الحرب الدائرة منذ عقد من الزمن، ولذا فمن المتوقع أن تجري في موعدها المقرر مطلع شهر حزيران/يونيو 2021، فلطالما كان النظام حريصاً على تغطية خطواته مهما كان نوعها بغطاء من الشرعية والقانونية التي حرص أيضاً من جانب آخر أن ينفرد بها وبشكل كامل، ويحرم معارضيه من كسب شيء منها دولياً أو محلياً.

مهم جداًما يجري على الأرض شمال غرب البلاد من حيث استمرار نجاح التفاهمات الروسية التركية، وبما يشير إلى عدم قدرة النظام على العودة إلى الأعمال العسكرية الكبيرة، وخصوصاً القصف الجوي، والتهجير الواسع للسكان المدنيين، وشمال شرق الفرات حيث لا يزال النظام محروماً من الوصول إلى الموارد النفطية، والثروات الزراعية وغيرها بعد تراجع الرئيس الأمريكي ترامب عن قرار سحب جنوده من المنطقة، وبالتالي استمرار سيطرة ميليشيات ب ي د عليها، وأحداث جنوب سوريا التي تنبّئ بعودة المواجهات مع الفصائل المسلحة في درعا، بعد خرق النظام لاتفاقات "المصالحة" التي عقدتها روسيا مع أبناء المنطقة ، وخلافات النظام الداخلية التي بدأت بوادرها تظهر إلى العلن، بالصراع الدائر مع رامي مخلوف، والذي لن يتوقف عنده، بل سيمتد ليطال الكثيرين مثله، وما يمكن أن يسببه من تفكك في بنية عصابات المافيا المالية والعسكرية والأمنية المسيطرة على البلاد منذ عقود، إضافة إلى الانهيار الاقتصادي الذي يثير نوعاً جديداً من الاحتجاجات ضد النظام تتصاعد في صفوف حاضنة النظام الموالية له، بسبب الأوضاع المعيشية المتردّية التي يعانون منها، وأخيراً انعكاسات الضعف المتزايد الذي يعصف بحلفاء النظام في إيران ولبنان، إن كان على خلفية الأزمة السياسية في لبنان، أو على خلفية هبوط أسعار النفط العالمية، وأثرها على الاقتصاد الإيراني.

ما سبق كله مهم في الحدث السوري، لكن ثمّة ما ينبغي اعتباره منعطفاً قد يغيّر الخارطة السياسية للبلاد بكاملها:

الأول: سريان تطبيق قانون قيصر الذي يتزامن مع بدء العام الأخير من ولاية رئيس النظام الحالي، وهذا التاريخ فيه من الدلالات مافيه بحد ذاته، وقانون قيصر ليس سيلاً جارفاً من العقوبات الاقتصادية بحق رموز النظام والشخصيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية، بل سيطال جميع الدول والشركات التي تتعامل معهم، وهو ما يعني انسحاب جميع هؤلاء من الساحة السورية خوفاً من أن تطالهم هذه العقوبات، وما سيؤدي إلى انكماش شديد للنظام على نفسه، وعزله عزلة شبه تامة عن العالم الخارجي، وهو بمعنى آخر سيحوّل نظام الأسد إلى نظام منبوذ لا يجد من يتعامل معه إلا أنظمة قليلة شبيهة به مثل إيران ولبنان وكوريا الشمالية وفنزويلا، وهو أمر لن يقدم أو يؤخر في تجنيب النظام الهاوية السحيقة التي سيجد نفسه فيها بعد تطبيق القانون.

الثاني: تعيين مبعوث خاص للرئيس الروسي في سوريا، وهو القرار الذي أصدره بوتين يوم أمس الاثنين بتعيين يفيموف ألكسندر فلاديميروفيتش، ممثلا خاصا للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع النظام، "يفيموف" بالأصل هو سفير فوق العادة لموسكو في دمشق منذ عام ونصف تقريباً، ورغم أنه سبق ونفى قبل أيام " الإشاعات والتلميحات المتداولة حاليا حول الخلافات في العلاقات الروسية السورية" ووصفها بأنها " ليس لها أي أساس" وأنها " عملية تخريب إعلامي فقط لا غير" إلّا أنّ المهمة الجديدة في هذا التوقيت قد تعني غير ذلك تماماً.

"الإشاعات والتلميحات" التي نفاها السفير كانت تتحدث عن قضية حساسة جداً، رأى فيها العديد من السياسيين والخبراء الروس أن بشار الأسد وصل إلى درجة العجز عن إدارة البلاد، وأن مكاسب روسيا هناك تتعرض للخطر، وأن الجهود والأموال التي أنفقتها ستذهب سدى، أو في مصلحة أطراف أخرى، وبما أنّه لا غنى لروسيا استراتيجياً عن نفوذها في سوريا، حيث هي موطئ قدمها الوحيد في المنطقة، وعلى شواطئ المتوسط، فيجب عليها الآن أن تدير الأزمة بنفسها وبشكل مباشر.

في قراءة لخلاف آل مخلوف مع آل الأسد قد يبدو أن رئيس النظام بشار الأسد أراد استباق تطبيق قانون قيصر، واستباق خطوات روسيّة من هذا النوع، بمحاولة تحقيق استقرار اقتصادي بلملمة الأموال المنهوبة ودعم نظامه بها مدة من الزمن ريثما تتغير بعض المعطيات الدولية لصالحه، وهو ما يراهن النظام عليه دائماً في أن الوقت يكون لصالحه، لكن فشله الذريع في إدارة الخلاف مع رامي مخلوف، وما تبعه من تصدّع وصل إلى الطائفة الموالية للنظام، دفع الرئيس الروسي بوتين للتعجيل بقراره في تعيين مبعوث خاص له، سيكون من السهل عليه التواصل مع الآلاف أو عشرات الآلاف من عناصر المؤسسات العسكرية والأمنية والحكومية الذين لديهم علاقات وثيقة بروسيا، إضافة لغيرهم كثير من الشخصيات السورية بحكم العلاقات التجارية والثقافية والتعليمية على مدى عقود طويلة مضت.

ما الذي يريد أن يصل إليه بوتين من هذه الخطوة؟

حرصت روسيا على وجود سلطة مسؤولة في رأس الهرم في سوريا لمنع أي فراغ يؤدي بالبلاد إلى فوضى شاملة، تكون كارثة على جميع اللاعبين الدوليين دون استثناء، وهي في سبيل ذلك استخدمت الفيتو في مجلس الأمن 14 مرة لحماية نظام الأسد من السقوط.

خطوة بوتين ستتابع العمل على هذه النقطة بلا شك، لكن قد يكون هناك تغيّراً فيها ينصبّ حول ترتيب المشهد السوري ليكون قابلاً للاستمرار على شكل الدولة، لكن بدون بشار الأسد هذه المرة، والشهور القادمة قد تشهد أحداثاً وقرارات "صعبة" توصل البلاد إلى انتخابات ليس من بين المرشحين لها الرئيس الحالي.