السبت 2019/03/16

“نحن لا نبدأ من الصفر”.. هل أخطأ بيدرسن في هذا؟

"إنه لشرفٌ لي أن أقدّم إحاطة إلى مجلس الأمن لأول مرة، بصفتي المبعوث الخاصّ إلى سوريا بعد ثمانية أسابيع من بدء مهمتي".

عندما اختار بيدرسن هذه لتكون أول كلمات له يخاطب بها المجتمع الدولي يوم 28 شباط/فبراير 2019، إنّما أراد أن يذكّر العالم بالسنوات الثماني التي مضت من عمر هذه الحرب المروّعة، وأنّه لا ينبغي لأحد يستمع إليه أن يتوقّع منه أن يكون قد أحدث فرقاً في أسابيعه الثمانية الأولى.

"نحن لا نبدأ من الصفر".. يبدو أن بيدرسن سيرى خطأ هذه القضية قريباً، وخصوصاً أنها تعني بالنسبة له وجود 12 مبدأً "تم التأكيد عليها في سوتشي" و" سلال شَكّلت جدول أعمال متفقاً عليه".  هذه التركة التي يظنّ بيدرسن أنه ورثها من أسلافه الثلاثة قبله "كوفي أنان" و"الأخضر الإبراهيمي" و"ستافان دي مستورا" لكن هل هذا حقيقة؟ أم إنّه سيتراجع عن تصريحه "المتفائل" ليعود ويعترف أن المبادئ الـ 12 هي من وَضْعِ دي مستورا في جولة جنيف 8، وأن النظام لا يُقرّ بأنه شارك في وضعها، أو أنّه قَبِل إدراجها في بيان سوتشي الختامي، حتى إن النظام اليوم وحسب كلام الأسد في خطابه الأخير أمام المجالس المحلية يعتبر نفسه غير مشارك في مؤتمر سوتشي برمّته، أمّا اللجنة الدستورية فالنظام يعدّها من مبادئ السيادة الوطنية ويرفض تدخّل الأمم المتحدة في أعمالها بما يمسّ تلك المبادئ حسب فهمه.

"سلال دي مستورا" كما يحلو للبعض تسميتها، سيجدها بيدرسن فارغة تماماً ليس فيها أي اتفاق أو وثيقة أو كلمة أو حرف واحد، ومع أنّ المعارضة قدّمت خلال محادثات جنيف بعض الأفكار لهذه السلال، إلا أن النظام امتنع عن تقديم شيء من ذلك القبيل يسمح بالقول بوجود أرضية مشتركة يمكن البناء عليها.

النقطة الثانية هنا هي "جدول الأعمال"، الأمر الذي كان عقدة جنيف 2 وانهارت المحادثات بسببه، ولم يتمّ الاتفاق عليه في كل الجولات اللاحقة، ورغم أن القرار 2254 قد وضع جدولاً زمنياً للعملية السياسية، إلا أن الـ 24 شهراً التي تحدث عنها القرار، قد انقضى زمنها دون التوصل إلى نتيجة، بل دون البدء بتنفيذ هذا القرار أصلاً.

بعد جولة مكوكية شملت الفرقاء في الملف السوري من دمشق إلى لقاء هيئة التفاوض في الرياض، إلى من سمّاهم "جميع أصحاب المصلحة الدوليين" في موسكو والقاهرة وأنقرة وطهران وباريس وبرلين وبروكسل، والاجتماعات التي أجراها "مع كبار المسؤولين" في البلدان الرئيسية في جنيف ودافوس ومؤخراً في ميونيخ. ونيّته زيارة واشنطن وعواصم أخرى مثل لندن وبيروت وعمان وبكين، جاء بيدرسن إلى مجلس الأمن ليضع أمامه ما يمكن تسميته أول خارطة طريق له في مهمته الجديدة والمتمثلة بخمسة أهداف جوهرية:

أولاً: البدء وتعميق الحوار المستمر مع النظام والمعارضة حول بناء الثقة في بيئة آمنة وهادئة ومحايدة.

ثانياً: رؤية إجراءات ملموسة أكثر بشأن المعتقلين والمختطفين والمفقودين من خلال التحاور مع أطراف أستانا والأطراف السورية وجميع الأطراف المعنية.

ثالثًا: جذب مجموعة واسعة من السوريين وإشراكهم في العملية.

رابعاً: عقد لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة في أسرع وقت ممكن.

خامساً: مساعدة الأطراف الدولية على تعميق الحوار الخاص بهم لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في التوصل إلى تسوية سياسية موثوقة ومستدامة للصراع السوري وتتمتع بشرعية دولية.

قبل 4 سنوات تقريباً في إحاطة مجلس الأمن تاريخ 29 تموز/يوليو 2015 تحدث دي ميستورا عن إجرائه "مشاورات مع أكثر من 200 شخص" وعن لقائه مع "نساء سوريات رائعات" وعن جولاته الدولية، واليوم يتحدث بيدرسن بنفس الألفاظ تقريبا عن لقاءات فريقه مع "أكثر من 200 ممثل للمجتمع المدني السوري من داخل سوريا والشتات" وعن لقاءات قادمة مع " اللجنة الاستشارية النسائية" وعن إطلاق سراح 42 معتقلاً -الرقم الكلي يقارب 150.000-، وعن تركيزه في المقام الأول على إجراءات بناء الثقة بين النظام والمعارضة.

المبعوث الرابع يبدأ من نقطة الصفر فعلياً إن لم يكن من نقطة أخفض منها، مع تعقّد المشهد السوري بطريقة تحدّث عنها أنها حسب تجربته مثل " ديناميكيات بدتْ ثابتة إلى الأبد" وكما كان دي ميستورا يتحدث عن أمله في حدوث معجزة في كلام له وسط عام 2015، بعد أربع سنوات من عمر الحرب، كذلك نجد بيدرسن يتحدث بعد أربع سنوات مثلها عن شيء يشبه ذلك حين يقول: إنّ "التاريخ يمكن أن ينحني "يلتوي" في اتجاهات لا يتوقعها أحد"، فهل سننتظر طويلاً مع بيدرسن حتى يظهر هذا المنعطف في مجرى الملف السوري؟