الأثنين 2019/03/25

مستشار أوروبي سابق لديمستورا يدعو إلى “إعادة الاتصال” مع الأسد

يعلم المحامون جيداً حين يدافعون عن قضية خاسرة، أنهم لا بدّ أن يتخلّوا قبل ذلك عن كل قواعد العقل والمنطق والأخلاق والقانون. هكذا تسير الأمور في قضية نظام الأسد، ليس فقط من يدافع عنه سيكون قد سقط ذلك السقوط المدوّي العقلي والمنطقي والأخلاقي والقانوني، بل سيجد من يحاول تبرير إمكانية استمراره في السلطة –مع تهذيب سلوكه- نفسه متورّطاً بالطريقة نفسِها.

عندما يقرر المهندسون أن بناء ما قد بلغ من الهشاشة مبلغاً سيؤدي إلى انهياره بالكليّة، فإن أول شيء يحاولون تفاديه هو تأثير سقوطه على الأبنية الأقرب إليه، سيكون المهندسون قد أخطؤوا خطأ فادحاً فيما لو قرروا أن سبب هشاشة البناء عيبٌ بنيوي في أحد جوانبه ويجب إزالته، ثم ذهبوا إلى تركه والعمل على تدعيم البناء من جوانب أخرى!! حتى الأطباء يفعلون هذا مع أحد أعضاء الجسم في بتره للحفاظ على باقي الجسم واسترداد عافيته.

"سوريا قريبة جداً من أوروبا، وهشّة للغاية"، ولذا لا يمكن تجاهلها، بهذه المقدّمة بدأ مقال الدكتور "فولكر بيرثيس" مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية SWP، والمستشار للمبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة إلى سوريا "ستافان دي مستورا" لمدة أربع سنوات. لكن بين هذه المقدمة وبين استنتاج أنّ "الأسد سيظلّ في السلطة حتى بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2021. وسيحكم البلاد المدمَّرة"، بينهما مسافة شاسعة تحتاج إلى كمّ هائل من الأكاذيب وتزييف الحقائق، وذلك السقوط الذي تحدثنا عنه في المقدمة، لملء هذه المسافة، و"فولكر" ملأها على الشكل التالي:

على الأرض: بشار الأسد ربح الحرب، وإدلب ستعود إلى النظام، وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD لن يتمكن من الحفاظ على حكمه شبه الذاتي، وستعيد دمشق السيطرة على المدن وحقول النفط في الشرق، وعلى الحدود السورية العراقية خلال الشهرين المقبلين، كذلك ستتحرك قوات الأسد بالقرب من الحدود التركية، بوجود شريط أمنيّ ضيّق مشترك مع كلٍّ من روسيا غرب الفرات، والولايات المتحدة شرقه.

على الجانب السياسي: المعارضة السياسية مهمّشة إلى حد كبير، واللجنة الدستورية التي يعمل المبعوث الجديد "بيدرسن" على تشكيلها، " فمن غير المحتمل فيها أن تسمح حكومة الأسد باعتماد أي نصٍّ دستوريٍّ يمكن أن يحدّ بشكل خطير من صلاحيات الرئيس والأجهزة الأمنيّة"، والنظام ليس حريصاً على عودة غالبية اللاجئين إلى ديارهم، والنسيج الاجتماعي السوري تعطّل بشدة، و"من غير المرجح أن يتم مساءلة الجهات الفاعلة المحلية أو الخارجية عن جرائم الحرب وما يصل إلى 500 ألف من القتلى السوريين".

على الجانب الأوروبي: "قد لا يحب الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه النتيجة العسكرية، لكنهم يدركون ذلك، لم يعودوا يطالبون بحكومة انتقالية أو ترتيب لتقاسم السلطة في دمشق"، ومع أنّ " إعادة الإعمار هي الرافعة المهمة الوحيدة في أوروبا" إلاّ أنّه بالمقابل "لا توجد خيارات مثالية لديها فيما يتعلق بإعادة الإعمار"، لكن في النهاية "سيتعيّن على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت ستترك المسؤولية الدولية عن سوريا لمجموعة أستانا -روسيا وإيران وتركيا -أو المشاركة".

المقاربة الأوروبية في إعادة الإعمار حسب رأي "فولكر" يمكن أن تكون "بناءً على قدر ضئيل من سيادة القانون والحقوق المدنية". "القدر الضئيل" الذي يتحدث عنه "فولكر" يشمل حقوق العائدين واللاجئين في ممتلكاتهم وحريتهم، وحماية أكثر الفئات ضعفاً، مثل النازحين أو الأطفال أو المحتجَزين أو أولئك الذين تعرضوا للهزيمة في الحرب"، ويطلب الأوربيون مقابل هذا التساهل الهائل من طرفهم تجاه النظام، أن يسمح هذا الأخير " بوصول المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين إلى الأشخاص والمناطق المحتاجة" "التي لحقت بها أضرار بالغة ، مثل حلب وحمص وضواحي دمشق، والرقة" .فهناك خشية من أنّ "الحكومة لن تعطي الأولوية لدعم الناس هناك، فهي تعاملهم كأعداء مهزومين".

ورغم الإشارة أنه "لا ينبغي توجيه الدعم من خلال الوزارات الحكومية ولكن من خلال المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة"، إلا أن هذا أبداً حسب رأي فولكر "لا يعني تجاهل الحكومة السورية! نظرًا لأن النظام يبدو أنه موجود للبقاء"، وأنه في سبيل تحقيق هذه المقاربة فإن "الدول الأوروبية تحتاج إلى قنوات اتصال رسمية وغير رسمية مع النظام، فالعلاقات الدبلوماسية ليست مكافأة للسلوك الجيد. ومعظم دول الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوروبي نفسه لم تقطع العلاقات الدبلوماسية بل خفّضت أو سحبت موظفيها. يجب أن يجدوا الآن خطًا مشتركًا حول كيفية إعادة تأسيس الاتصالات السياسية مع دمشق".

الذي يفوت الأوربيين حال تبنّي مثل هذه المقاربات التي تهدف إلى أمر واحد هو حلّ مشكلتهم مع وجود اللاجئين السوريين في أوروبا، وإيجاد أي سبيل لعودتهم إلى بلادهم، لكن ومع تصادم هذا الهدف مع الاتفاقيات والقرارات والقوانين الدولية التي تحكم هذه المسألة، فهم يحاولون إيجاد صيغة ما تتيح لهم إعادة اللاجئين دون تبعات قانونية سيتحمّلونها مستقبلاً.. ما لو حدثت انتهاكات بحق اللاجئين العائدين –قسرياً-، الذي يفوتهم أنهم لا يعالجون أصل المشكلة وسبب الهشاشة في البلاد، وهو العنف السياسي والاضطهاد الذي مارسه النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية طيلة عقود بحق شرائح واسعة من الشعب السوري، وأنه ما لم تحدث عملية انتقال سياسي حقيقي، وبيئة آمنة ومحايدة تجري في ظلها انتخابات حرة ونزيهة، فلن يكون هناك عودة للاجئين السوريين. وأن سوريا ستزداد هشاشة وخطورة ليس على أوروبا فحسب، وإنما على المجتمع الدولي كله.