الأحد 2019/03/10

ما هي نتائج إحضار الأسد إلى إيران؟

فجأة وبدون أي مقدمات أو مؤشرات تدل على ذلك، ظهر بشار الأسد في طهران نهاية شهر شباط/فبراير الماضي.

التداعيات الداخلية في إيران، وتلك الخارجية وخصوصاً في روسيا جعلت الأوساط السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية تتقصّى أكثر حقيقة ما حدث وأسبابه والأهداف التي دعت إليه.

تبدأ الأحداث عقب خطاب الأسد أمام المجالس المحلية قبل عشرة أيام تماماً من ظهوره في طهران، يوم شنّ في خطابه هجوماً لاذعاً على العالم برمتّه -المتآمر عليه-، وبعد أن كان الأسد لا ينسى في خطاباته شكر حلفائه الروس والإيرانيين، إذ به يشنّ أيضاً حرباً عليهم بسبب مؤتمر سوتشي وإن حاول إخفاءها نوعاً ما، فالذي يجري فيه "لا يمثّل الحكومة السورية بالمعنى الحرفي" والنظام لم يرسل ممثلين له للمشاركة في المؤتمر، ومن المعلوم أن المؤتمر نتج عنه بيان ختامي يدعو الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دستورية تحت إشرافها "بغرض صياغة إصلاح دستوري يساهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254".

الإيرانيون -والمقصود هنا بشكل رئيسي الحرس الثوري الإيراني، والمؤسسة الدينية التابعة لخامنئي- الذين كانوا ضد اللجنة الدستورية في سوتشي وجدوا في ذلك فرصة لاستقطاب الأسد إلى جانبهم، ووضعه تحت "عمامتهم" بشكل كامل بعد أن بدأ يشعر بخيانة الروس له، وقبولهم لوضعه في سلة التفاهمات الدولية التي تحقق مصالحهم مع الغرب، ومع دول المنطقة، لذا كان قرار قاسم سليماني بوجوب حضور الأسد إلى طهران، وإظهار الدعم له بشكل منفرد عن روسيا، مقابل تقديمه فروض الولاء والطاعة للولي الفقيه، وإيران أيضاً كانت تريد من النظام أن يعلن عن موقف يعتبر الهجوم الإسرائيلي على أهداف إيرانية داخل الأراضي السورية هو بمثابة اعتداء على القوات السورية، ويخوّلها بحق الرد على هذه الهجمات الإسرائيلية، حيث كانت روسيا قد سمحت لتل أبيب بعد مفاوضات صعبة شنّ هذه الضربات لكن بشكل محدود.

إذن تمّ إحضار الأسد وحيداً برفقة الحرس الثوري فقط-حسب مصادر استخباراتية إسرائيلية-إلى قاعدة جوية تابعة لهم في طهران، ومع أن تفسير عدم ظهور علم النظام في لقاء المرشد الأعلى " آية الله علي خامنئي" بأن ذلك من البروتوكولات المتبعة في هذا المقام، إلا أن عدم ظهور العلم أيضاً في لقاء رئيس الجمهورية الإيرانية "حسن روحاني" أعطى دلالة قاطعة عن مفاجأته بهذه الزيارة التي لم يجر التحضير لها حسب المراسم والبروتوكولات المتبعة، وكان هذا أيضاً السبب المباشر لتقديم وزير الخارجية "جواد ظريف" استقالته، بعد أن رفض مقابلة الأسد في طهران والظهور معه، حيث كان يدرك مقدار الرسائل الخاطئة التي سيفهمها المجتمع الدولي وخصوصاً شركاء مسار أستانا الروس والأتراك.

أول نتائج إجبار الأسد على الحضور إلى طهران بعد اكتشاف بوتين ذلك -حسب المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية-تمثّل في اللقاء الذي جرى بعد يومين في موسكو مع رئيس الوزراء" بنيامين نتنياهو" ورئيس الجيش الإسرائيلي الميجر جنرال "تامير حايمان"، حيث منحت روسيا تل أبيب حرية مهاجمة الأهداف الإيرانية في سوريا، مقابل ذلك دعا بوتين تل أبيب لقبول الدور الروسي في العمليات العسكرية والسياسية الجارية في سوريا. كانت الصور الروسية المسرّبة للأسد جزءاً صغيراً من حملة إعلامية لتذكيره بحجم النفوذ الروسي في بلده.

إيران من جانبها صعّدت من ضغطها على الأسد لتخريب اتفاق خفض التصعيد في إدلب الذي تم بعيداً عنها بين روسيا وتركيا، وخوّل تركيا بنشر نقاط مراقبة داخل الأراضي السورية، وأجبرت النظام على معاودة القصف الوحشي لهذه المناطق، والتهديد باجتياحها، وهي رسالة منها إلى تركيا أولا في قدرتها على التسبب بأزمة لجوء لا ترغب بها أنقرة، وسط استحقاق الانتخابات المقبلة فيها، كذلك إلى روسيا للعودة عن تفاهماتها مع تل أبيب حول الغارات التي تشنّها على القوات الإيرانية في سوريا، وهي آخراً رسالة للمجتمع الدولي بقدرتها على خلط الأوراق في المنطقة.

إيران اختارت للمرحلة القادمة لعب دور المخرّب الذي يثير الفوضى ليضطر الجميع للتفاوض معه، ويبدو الأسد مسلوب الإرادة، ومجبر للانخراط في هذا الدور، وبسبب ذلك قد نرى أياماً عصيبة في الأفق القريب.