الأحد 2019/10/27

ما الّذي ينتظر إدلب بعد استهداف البغدادي فيها؟


الجسر للدراسات..


كان البغدادي زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" هدفاً للقوات الأمريكية في أكثر من مكان، على الأقل في عاصمتين "للخلافة" في الموصل العراقية والرقة السورية، ثم أخيراً في منطقة الباغوز قرب مدينة البوكمال على الحدود العراقية السورية، ولا بدّ أنه كان مكشوفاً أكثر من مرة أثناء تنقّله في مناطق البادية التي يسهل فيها اصطياده، لكن هذا لم يحصل رغم إعلان الولايات المتحدة القضاء على التنظيم بشكل كامل في سوريا.

أيضاً كان البغدادي بحكم الميت تنظيمياً، وتواصله مع عناصر التنظيم شبه منقطع، وبالتالي فقتله سيكون مسألة رمزية، ومع أنها ضربة موجعة لكن ليس لها ذلك التأثير المنشود على تفكيك التنظيم الذي فقد عدداً من قياداته في عمليات سابقة مشابهة، لكنه بقي محافظاً على هيكله.

هل انتظر ترامب انتقال البغدادي إلى إدلب شمال غرب سوريا لاستهدافه هناك، وليس في معقله شمال شرق سوريا؟

صحيح أوّلاً أن ترامب وبسبب تخبّط سياساته في سوريا في مأزق حقيقي وصل إلى صفوف الجمهوريين من أعضاء حزبه الذين هم الخطوة الأولى إعادة ترشيحه لفترة رئاسية ثانية، وصحيح ثانياً أن الفترة الرئاسية الثانية هي المحرك الرئيس لكل ما سيفعله ترامب طيلة الأشهر القادمة، وصحيح ثالثاً أن ترامب يسترضي بهذه العملية أعداءه الديموقراطيين، وجنرالات الجيش الغاضبين من قرار انسحابه من سوريا الذين يمنحهم هذا الحدث مسرحاً جديداً لعملياتهم، بعد عودتم "لحراسة آبار النفط" شمال شرق سوريا، ويقوّي مواقفهم التفاوضية "الضعيفة" مع كل من الجانب التركي والروسي، وصحيح رابعاً أن هذه العملية الخاطفة دون خسائر في صفوف الجنود الأمريكيين يثبّت نظرية ترامب في عدم الحاجة إلى إبقاء أعداد كبيرة من الجنود وتعريضهم للخطر في سوريا.

هذه التحليلات وغيرها كلها صحيحة، لكن الأمر الذي يجب أن يؤرّق عدّة ملايين من أهل إدلب ومن النازحين إليها من المدنيين من مناطق أخرى، ومن العناصر المسلحة المقاتلة الذين تم ترحيلهم إلى إدلب إثر عمليات المصالحة التي حدثت في ريف دمشق، والجنوب السوري، ما هو مصيرهم بعد هذه العملية؟

ما الّذي ينتظر إدلب بعد استهداف البغدادي فيها؟

ترامب يعتبر نفسه أن حقق نصراً كبيراً شمال شرق سوريا بهزيمة تنظيم الدولة، ثم بالاتفاق الأمريكي التركي الذي عالج انتشار ميليشيات ب ي د، وإبعادها عن الحدود التركية، ومن ثمّ جاء الاتفاق الروسي التركي ليكرّس هذه التهدئة سواء بقيت هشّة أو استطاعت الصمود لفترة طويلة، لكنها تُدخل شمال شرق سوريا ضمن المناطق القابلة للاتفاقات الدولية حولها.

بالمقابل تبقى إدلب من بين مناطق شمال غرب سوريا عصيّة على حدوث أي اتفاق دولي حولها بسبب رفض هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة" للحلول التي تطرحها على الأقل تركيا، وخصوصاً عبر مسار أستانا لتجنيب إدلب عملية اجتياح برية من جانب القوات الروسية والإيرانية وميلشيات حزب الله وجيش النظام السوري، وبالتالي حدوث موجة نزوح ضخمة يمكن أن تشكّل ضغطاً على تركيا لفتح حدودها من جديد أمام اللاجئين لدخول أراضيها، أو السماح لهم بالعبور إلى الاتحاد الأوربي على غرار ما حدث في الموجة السابقة عام 2015، لكن مع وجود مناطق درع الفرات وغصن الزيتون والمنطقة الآمنة التي أعلن عنها في الاتفاق الأمريكي التركي شمال شرق سوريا، صار من الممكن استيعاب هذه الموجة لو حدثت داخل الأراضي السورية، ومنع مخاطر عبورها الحدود التركية.

حلب كانت مدينة أكبر من إدلب، وأكثر أهمية منها، رغم ذلك تمّ اجتياحها بمبرر رفض جبهة النصرة الخروج منها، وهو الوضع المشابه في إدلب الآن، لكن بعد سنوات من سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب وإنشائها حكومة "إنقاذ" فيها، واعتبارها واحدة من مناطق خفض التصعيد، فلا بدّ من مبرر ضخم يحوز إجماعاً دولياً للهجوم على آخر نقطة "متمردة" فيما جميع النقاط الأخرى لها رعاة دوليون يستطيعون إبرام تفاهمات تلتزم بها المجموعات المسلحة سواء المرتبطة بالولايات المتحدة مثل ب ي د، أو المرتبطة بتركيا والمنخرطة بمجملها في الجيش الوطني، أو تلك التي أنشأتها روسيا بعد المصالحات، وكذلك الميلشيات المرتبط بإيران، وأخيراً قوات النظام السوري الخاضعة بشكل كبير للأوامر الروسية.

المبرر الأنسب على الإطلاق، إن لم يكن الوحيد للتهديد باجتياح إدلب كان وصول البغدادي إليها، واعتبار أنّ وصوله ما كان ليتمّ قبل وصول قيادات التنظيم، وجميع أو أغلب عناصره المنسحبين من شرق سوريا، أو "الفارّين" من سجون ب ي د، وأنّ البغدادي يعدّ العدّة لإعلان إدلب العاصمة الجديدة لخلافته، وأنّه في طور إصلاح "ذات البين" مع الجولاني وإعادة توحيد الصفوف، أو أنّ هيئة تحرير الشام إن لم تكن متواطئة في التستر على وجوده في مناطق سيطرتها، فهي غير قادرة على مواجهة التنظيم عسكريا، ومثلها كذلك فصائل الجيش الحر، وبالتالي فلا بدّ من تحالف دولي لمكافحة الإرهاب في إدلب على غرار ما حدث شرق سوريا.

هل سيدعو ترامب بعد ساعات في كلمته الأولى بعد استهداف البغدادي لإنشاء تحالف دولي لمكافحة الإرهاب في إدلب، ثم دخولها في اتفاقات تماثل اتفاقات شمال شرق سوريا، وبالتالي تبدأ بعدها الخطوات الحقيقية للحل السياسي؟