الجمعة 2020/07/17

ماذا يعني ظهور “البرزاني” في المشهد السوري؟

صنعت قيادة "المجلس الوطني الكردي" في سوريا بأيديها متاهة فوق رقعة جغرافية هي بالنسبة للكرد من أعقد المتاهات السياسية والاجتماعية.

نقطة الدخول في المتاهة كانت ما تم تسميته "محادثات الوحدة الكردية في سوريا" مع "حزب العمال الكردستاني" المقرب من إيران، المحادثات كانت برعاية أمريكية، وبوساطة مسعود البرزاني، وهنا يكمن الخطأ الأول ، ما الذي جعل أكراد سوريا يعتقدون أن بمقدور البرزاني أن ينجح في سوريا ما فشل به في العراق في توحيد الصف الكردي؟ هناك وقفت أحزاب الرئيس العراقي السابق جلال الدين الطالباني ضده في استفتاء انفصال شمال العراق، وأجهضت حلم "الدولة البرزانية" على الأراضي العراقية.

الولايات المتحدة في خطوتها هذه لا تزيد على أن تخدع الأكراد، والحيلة الأمريكية في أن دمج "ب ي د" مع المجلس الوطني الكردي سيخفف مخاوف تركيا من نشوء كانتون كردي انفصالي عن سوريا، أو دولة كردية تهدد أمنها الداخلي، تبدو حيلة ساذجة لا تنطلي على تركيا، وهنا يكمن الخطأ الثاني، فتركيا تفهم هذا الدمج على أنه بدل أن تكون الدولة الكردية "أوجلانية" فقط، فإن الولايات المتحدة تدفع في سوريا بدولة "أوجلانية برزانية" في نهاية المطاف، وستسعى هذه الدولة لتأليب أكراد تركيا على الحكومة التركية، وضمّهم إلى الدولة الكردية.

الأخطاء بعد المحادثات توالت، "ب ي د" ذهبت إلى الجامعة العربية التي تعني اليوم تقريباً السعودية والإمارات ومصر، في محاولة لتوظيف خلافات هذه الدول مع تركيا في الملف الليبي، وبوجود الدعم العربي-السابق الذكر- "الكَيدي" لميليشيات ب ي د، والزيارات السعودية الإماراتية المتكررة لمناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة ب ي د، فإن هذا سيصلّب الموقف التركي ضد أي مشروع تشارك فيه ب ي د أكثر من ذي قبل.

على صعيد آخر فقد نشرت "ب ي د" المناهج الدراسية التي تعتمدها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، والتي ترسم حدود ما تسميه "كردستان" على أراضي أربع دول هي تركيا وسوريا والعراق وإيران وبمساحة تزيد عن نصف مليون كيلومتر مربع، أي بما يقارب مساحة تركيا بعد اقتطاع حصة الدولة الكردية منها، وضعف مساحة العراق، وأكثر من ثلاثة أضعاف ما يتبقى من سوريا.

بالعودة إلى المجلس الوطني الكردي في سوريا، فإن مجرد ظهور البرزاني في المشهد السوري لا يعود عليه بالفائدة، وسيثير الكثير من الهواجس، بل وسيعطي المبرر التام لكل ردات الفعل سواء من المكونات المجتمعية في منطقة الجزيرة والفرات، أو من القوى السياسية السورية التي ترى في هذا الظهور محاولة لانتهاز لحظة الفوضى الحالية في سوريا لسرقة جزء من أراضيها وإقامة المشروع الكردي فوقها بعد أن فشل مشروع البرزاني في شمال العراق، وهو بالتأكيد لا يستطيع فعل شيء في تركيا وإيران حيث هناك حكومات مستقرة.

إذن المجلس الوطني الكردي ضمن مسمّاه السوري، يخسر كثيراً بتكرار الاتكاء على البرزاني "العراقي" بطريقة تشعر فيها المعارضة السورية أنها تضم بين صفوفها أحزاباً عراقية وليست سورية، وأنها أمام قيادات كردية تتلقى أوامرها من أربيل وليس من القامشلي التي يصدر منها بيانات المجلس.

المجلس الوطني الكردي ليس مطلوباً منه فقط وقف التطبيع مع ب ي د الذي ترفضه معظم مكونات منطقة الجزيرة والفرات، ولكن عليه أيضاً وقف ظهور البرزاني في المشهد السوري كي لا يدفع ثمن هذا الظهور دون فائدة تعود عليه.