الأحد 2019/08/04

لماذا يكسر الأسد جميع قواعد “الحرب والسياسة” المعروفة؟

لقد حذفت الدول الكبرى، والدول المتقدمة من قواميسها الحرب الشاملة فيما بينها كأداة من أدوات السياسة الخارجية، يوجد اليوم وسائل كثيرة أخرى تغنيها عن هذه الأداة البدائية، الحروب الاقتصادية التجارية والصناعية، والحروب الأمنية والتكنولوجية والثقافية أكثر فعالية، لذا يصعب تصوّر وقوع حرب عسكرية هجومية بين هذه الدول، فقط يمكن أن يكون ذلك آخر خياراتها فيما لو تعرضت لتهديد مباشر من أنظمة استبدادية شمولية، أو تنظيمات إرهابية متطرفة، أيضاً يمكن أن تستخدم الدول المتخلفة والدول التابعة لها كوكلاء في حروب تخدم مصالحها لا مصالح الوكلاء المتحاربين، وهي في كل هذا ستخوض حروباً محدودة قصيرة الأمد، لا حروبا مفتوحة ليس لها نهاية.

وحدها الدول المتخلفة والأنظمة الاستبدادية الشمولية لا زالت تعمل وفق نظريات الحرب والسياسة التي ظهرت قبل مئتي عام تقريباً إثر حروب الامبراطوريات والملكيات الأوروبية التوسعية، والتي تلخّصت بثلاثة مفاهيم رئيسية:

الأول: أنّ الحرب وسيلة وليست غاية في حد ذاتها.

الثاني: أنّ الحرب مجرد امتداد للسياسة. وأنها ليست انقلاباً على السياسة أو دليلًا على فشلها. وأنها لا تختلف عن أي مبادرة سياسية أخرى.

الثالث: أنّ الحرب واحدة من الوسائل، ورغم ذلك هي ليست الملاذ الأخير عند استنفاد جميع الخيارات الأخرى.

صمدت هذه النظرية قرابة قرنٍ من الزمان، إلى أن جاء الزعيم الألماني النازي "هتلر" فخرقها بشكل كامل، في الحرب العالمية الثانية، التي ما إن انتهت حتى سارعت دول العالم لتأسيس "عصبة الأمم المتحدة" لتعزيز التعاون في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ولمنع نشوب مثل هذه الصراعات مستقبلاً.

في كل ذلك لا زال الحديث عن حروب خارجية تقع بين دولة وعدو خارجي لها، دولاً كانت أو تنظيمات إرهابية، وليس عن حرب يشنّها حاكم أو نظام على شعبه بغضّ النظر عن أسباب هذه الحرب، التي غالباً إن لم تكن دائماً، فإنها تقع بسبب نظام ديكتاتوري يستبد بالسلطة، على غرار نظام "بينوشيه" في تشيلي الذي عذّب وأخفى آلاف المعارضين، وقتل مئات آخرين منهم، و"فرانكو" في إسبانيا الذي قتل هو الآخر آلافاً من معارضيه.

ضمن هذا النمط من الحكام يظهر "بشار الأسد" حالة فريدة بينهم في مسألتين مهمتين:

الأولى: حجم القتل والتعذيب والإخفاء الهائل الذي يتجاوز المليون ضحية في أقل التقديرات.

الثانية: حجم التدمير الواسع الذي ألحقه بالبلاد عبر قصف المدن المأهولة بالأسلحة الثقيلة، وإلقاء البراميل المتفجرة على بيوت المدنيين العزّل.

تسبب هذا النوع من الحرب بفرار ملايين يقارب عددهم نصف سكان البلاد ليصبحوا بين نازح أو مهجّر مشرّد داخلياً، أو لاجئ مشتّت في العديد من دول العالم.

الحروب الخارجية تكون مشروعة أحياناً، لكن حرب الحاكم الداخلية على شعبه مهما كانت أسبابها فهي جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي جريمة حين تكون تضييقاً على الحريات، فكيف إذا كانت قتلاً وتعذيباً وتهجيراً وتدميراً؟!

دلالات الحرب في سوريا تشير إلى أن الأسد يعتبر نفسه في حرب خارجية، وأن الذين يقتلهم ويعذبهم ليسوا سوريين، وأن المدن التي يقصفها ويدمّرها ليست مدناً سورية، وأنّ الذين يهجّرهم ويشرّدهم ويطردهم من منازلهم وقراهم ليسوا من أهلها الأصليين.

الأسد في حربه على الشعب السوري كسر حتى قواعد الحرب الخارجية، مع أنّه التزم بها في حربه المزعومة مع تل أبيب، فلماذا؟

الأسد يعتبر حربه هذه غاية بحد ذاتها، وليست وسيلة للحفاظ على حكمه، ورفض أن ينخرط في أي عملية سياسية للتوصل إلى حل، بل جعل الحرب دائماً انقلاباً على السياسة، وكان يبلغ فيها ذروة التصعيد كلما اقتربت جولة تفاوضية في جنيف أو أستانا، وهو كذلك اعتبرها خياره الأول والوحيد، وبدأها منذ اليوم الأول للاحتجاجات التي طالبت برحيله.

المعارضة السورية تهدر وقتها، وتشتّت جهدها وتركيزها، وتضيّع بوصلتها بالركض نحو لجنة دستورية، أو عملية سياسية هذا هو الموقف الحقيقي للأسد منها، وعليها أن تعيد حساباتها في ذلك.

الأسد يقتل للقتل، ويدمّر للتدمير، ويهجّر للتهجير، الأسد اليوم مجرم وقاتل محترف خرج عن السيطرة.