الخميس 2019/10/31

لماذا يتبرّأ الأسد من اللجنة الدستورية؟

فجأة وقبل يومين فقط من انعقاد الجلسة الافتتاحية للجنة الدستورية في جنيف، بدأت وسائل الإعلام الرسمية للنظام السوري بإطلاق اسم "اللجنة المدعومة" أو "الوفد المدعوم" من النظام على الخمسين شخصاً المشاركين باسمه في اللجنة في محاولة منه للتملّص من اعترافه السابق باللجنة الدستورية، وموافقته على المشاركة فيها، وموافقته أيضاً على اختصاصاتها وصلاحياتها، وبالتالي محاولة التملّص من شرعية وقانونية النتائج التي يمكن أن تتوصّل إليها اللجنة في حال لم تكن في صالحه.

الوثيقة الأممية رقم S/2019/775، المعنونة بعنوان "رسالة مؤرّخة 26أيلول/سبتمبر موجّهة من الأمين العام إلى رئيس مجلس الأمن" بتوقيع السيد "أنطونيو غوتيريش" الأمين العام للأمم المتحدة، والتي أعلن فيها أنّه "قد وافقت على الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية حكومة الجمهورية العربية السورية، ولجنة المفاوضات السورية" وتضمّن المرفق الملحق بهذه الرسالة 23 بنداً، تبيّن "ولاية" اللجنة أي اختصاصاتها وصلاحياتها، كما تبيّن تشكيلها وهيكلها، وطريقة اتخاذ القرارات فيها، والرئاسة المشتركة لها بين "رئيسين مشتركين أحدهما مرشح من قبل حكومة سوريا"، لا بل التزم –أو أُلزم-النظام بما هو أبعد من المشاركة والموافقة على اختصاصات وصلاحيات اللجنة، بإعلانه الالتزام بضمان أمن وسلامة أعضاء اللجنة الدستورية  حسب المادة السادسة من الوثيقة التي نصّت على أنّه "هنالك التزام مشترك وقوي ببناء الثقة، بدءاً بضمان عدم خضوع أعضاء اللجنة الدستورية، وأقاربهم والمنظمات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، أو الكيانات التي ينتمون إليها، للتهديد أو المضايقات ضد الأشخاص، أو القيام بأية أعمال ضد الممتلكات، بسبب يرتبط مباشرة بعملهم في اللجنة الدستورية، وكذلك التزام بمعالجة وحل أية وقائع أو شواغل في حال وقوعها".

بعد صدور هذه الوثيقة بأربعة أيام أدلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا السيد "جير بيدرسون" بإحاطة أمام مجلس الأمن 30أيلول/سبتمبر 2019، وصف فيها الاتفاق على اللجنة الدستورية أنّه "في الواقع الاتفاق السياسي الحقيقي الأول من نوعه بين الحكومة والمعارضة من أجل البدء في تطبيق أحد العناصر الأساسية من قرار مجلس الأمن 2254".

وللتذكير فهذا القرار صدر عام 2015 وانعقدت على أساسه ست جولات تفاوضية في جنيف من الثالثة إلى الثامنة، ولم يوافق النظام فيها على أي شيء حتى على ورقة "المبادئ الإثني عشر الأساسية والحية للأطراف السورية" 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، لكنه عاد ووافق عليها في البيان الختامي لمؤتمر سوتشي، الذي قاطعته المعارضة المعترف بها من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بهذا القرار، وهنا بيت القصيد ومأزق النظام!

النظام في بيان سوتشي وافق على لجنة دستورية تنبثق عن هذا المؤتمر وتتشكل من المشاركين فيه-كان معظمهم من النظام-، واعتبارها جزءاً من مسار أستانا الذي يضمنه أكبر حليفين له روسيا وإيران، وبالتالي فهو يضمن نتائج عملها لصالحه بنسبة 100%، النظام رأى أنه وافق على لجنة دستورية بالمعايير الروسية لها حسب ما قدمته في مسار أستانا أنها ستتشكل من "24 شخصاً" "من بين المواطنين السوريين المقيمين الدائمين في أراضي الجمهورية العربية السورية على الأقل 15 سنة" وأنّ اختيارهم يتم عبر "تقديم طلب إلى المجموعة المشتركة من دول الضمان التي ستشكّل اللجنة، وتعطي السلطة لها" ويشارك فيها 6 خبراء من دول الضمان بنسب متساوية، و3 مراقبين من بين موظفي الأمم المتحدة، بما يعني أن النظام يضمن تماماً عدم مشاركة المعارضة الحقيقية في هذه اللجنة.

من جانب آخر كذلك رأى النظام أن عمل اللجنة الدستورية سيدور في فلك "الدستور الروسي" الذي قدّمته روسيا أيضاً في مسار أستانا، وهو يضمن للأسد معظم الصلاحيات التي له الآن، ويضمن له الاستمرار في الحكم إلى عام 2035، وكان النظام قد وضع ملاحظة وحيدة على هذا "الدستور الروسي" بتغيير مادة فيه تضمن للأسد الاستمرار في الحكم إلى عام 2042.

وبالطبع كان كل شيء سيجري في دمشق، وتحت أنظار النظام بأجهزته الأمنية والعسكرية، لكن حدث ما لم يكن في حسبان النظام أبداً حين استطاعت الأمم المتحدة استعادة اللجنة الدستورية إلى مسار جنيف، وبرعاية أممية، ووضعت لها المعايير المرجعية في ولايتها واختصاصاتها وصلاحياتها، وتولّت هي تشكيل ثلث أعضائها من المجتمع المدني، وأعطت المعارضة المنصوص عليها في القرار 2254 حق تسمية ثلث أعضاء اللجنة، تاركة للنظام تسمية الثلث الأخير.

ماطل النظام عشرين شهراً في القبول "باللجنة الدستورية الأممية" لكنّه رضخ أخيراً لأوامر روسيا وإيران، وتمّ الإعلان عن اللجنة بطريقة لا لبس في هيكليتها، ولا في اختصاصاتها وصلاحياتها، وأن حكومة النظام جزء أساسي منها، قال المبعوث الدولي بيدرسون في إحاطة 30 أيلول/سبتمبر 2019 "إنني على اقتناع بأن هناك هيكلية واضحة ومتوازنة، وقابلية للعمل لهذه اللجنة، فهناك رئيسان مشتركان ومتساويان للجنة من الحكومة والمعارضة"

نعود إلى السؤال: لماذا يتبرّأ الأسد من اللجنة الدستورية؟

أولاً: لكل ما سبق فيما يتعلّق بالمعطيات التي احتفّت بتشكيل اللجنة الحاليّة.

ثانياً: نتحدّث أنّ الأسد شخصياً الآن هو القلق من اللجنة الدستورية، ولعلّها المرة الأولى التي عليه أن يقلق حقيقة من ظهور فجوة بينه وبين باقي النظام الموالي له.

الأسد كما فقد "السيادة" على أجزاء واسعة من الأرض السورية التي يسيطر عليها الآن جهات عديدة بين دولية ومحلية، كذلك هو فقد السيادة على أجزاء من نظامه في جميع المستويات الأمنية والعسكرية والحكومية والحزبية توزّعت أيضاً بين ولاءات دولية ومحلية عديدة، حتى ضمن الطائفة نفسها التي ينتمي إليها حدثت انقسامات حوله شخصياً. وأن هذه الأجزاء جميعها لا تمانع في إخراجه من السلطة مقابل الإبقاء على أكبر قدر ممكن من مكاسبها، وهذه الأجزاء جميعها أيضاً أرسلت ممثلين لها إلى اللجنة الدستورية.

الأسد يعتبر أنه الآن موضوع في المزاد، وأن صفقة التفاهمات الدولية بشأن الإطاحة به قادمة لا محالة، وأنّ ذلك سيمرر دستوريا عبر هذه اللجنة، وهو يعلم الآن جيداً أنها ليست تحت سيطرته الكاملة، لذا بدأ يتبرأ منها ومن نتائج عملها مسبقاً.

هل سينفعه ذلك؟