الخميس 2019/10/17

“لا صديق سوى الجبال” أسوأ الأساطير التي يخدع بها القادة الأكراد شعبهم

"لا صديق سوى الجبال" لا ينبغي أن تكون قدراً محتوماً، أو أسطورة خالدة، أو ملحمة أبدية، اللحظات والمواقف العظيمة هي التي تتصدّر تاريخ الأمم والشعوب الذي تعتز وتتغنى به، لم تكن لحظات الهزيمة يوماً ما هي النقاط المضيئة في تاريخ أمّة، بل طالما سعت الأمم القوية إلى محو هذا من تاريخها، أو على الأقل دراسته وتأمله بعمق ودقّة شديدين لمنع الوقوع فيه مرة ثانية، فكيف وأّن هذه المقولة وقعت في واحدة من حالكات الليالي المظلمة التي مرّ بها الأكراد في تاريخهم.

"لا صديق سوى الجبال" لحظة خديعة وقع فيها بعض قادة الحركة الكردية، ولا ينبغي أن تصبح متلازمة مرَضية، أو متلازمة وراثية يحمل وزرها أجيال الشعب الكردي، وبينما كان يجب على قائلها أن يعتذر للشعب الكردي، ويطلب منه العفو عن رهاناته السياسية الخاطئة، والألم والقتل والتشريد الذي تسبب به، لا نزال نجد أحفاده يتحكمون بمصير الشعب الكردي، ويتابعون المغامرة بمستقبله، ويكررون نفس أخطاء البرزاني الزعيم الجدّ حين راهنوا على الأمريكيين الذين خدعوهم مرّات كثيرة كان آخرها استقلال إقليم شمال العراق، ولن تجد عائلة البرزاني غضاضة في الاستمرار على هذا المنوال ما دامت تسلم من المساءلة، وما دامت متربعة على زعامة الإقليم الكردي شمال العراق، تتوارث الحكم فيه أباً عن جد.

على الطرف الكردي الثاني تقف الزعامة الأوجلانية، ويغامر أتباع أوجلان في سوريا أيضاً بمستقبل الشعب الكردي، وراهنوا كما البرزاني على دعم الأمريكيين لهم في المضيّ في مشروع يقودهم إلى كرسيّ حكم يدفع الشباب الكردي ثمنه من دمائهم، فيما يفرّ مئات آلاف آخرين إلى دول اللجوء، بسبب التجنيد الإجباري الذي تفرضه مليشيات ب ي د، وطلباً للأمن من حرب تخوضها هذه المليشيات، وترتكب فيها العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، ولا يريد الأكراد أن يتحمّلوا تبعاتها، بل هم لا يوافقون عليها أصلاً.

أتباع أوجلان هم الذين يتحدثون اليوم عن الخديعة الأمريكية لهم شمال شرق سوريا، وكأنهم لم يسمعوا بما فعل الأمريكيون بالبرزانيين على مدى عقود مضت، ترامب لم يكتف بالتخلي عنهم فقط كما كان يفعل أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، بل انقلب عليهم تماماً، وبدأ يكيل لهم التهم، ويشبههم بتنظيم الدولة الذي كانوا يحاربونه لحساب الأمريكيين، وأنهم أكثر تشدداً منهم، وأنهم أطلقوا عناصر من التنظيم المعتقلين لديهم لإحراج الولايات المتحدة، والإساءة لها.

كل الحسابات السياسية شمال شرق سوريا كانت خاطئة منذ البداية من طرف مليشيات ب ي د، ورغم كل ما حدث من انتهاكات هناك، إلا أن الخطأ الأكبر القادم، الخطأ القاتل الذي يوشك أن تقع فيه المليشيات باتخاذ قرار التحالف مع نظام دمشق ضد الشعب السوري الثائر عليه منذ عام 2011. هذه وصمة عار يريد قادة ب ي د إلصاقها بتاريخ الشعب الكردي الذي عانى الأمرّين من نظام آل الأسد منذ تسلّطه على الحكم، لطالما كان النظام يعتبر الأكراد معارضين لحكمه-وهم كذلك-، ويمارس عليهم سياسات تمييزية حرمت الكثير منهم من أبسط حقوقهم.

الولايات المتحدة سيتكامل انسحابها من شمال شرق سوريا قريباً، وستتبعها باقي دول التحالف وخصوصاً الأوربيين منهم، ولن يكون هناك طائرات تحمل بعضاً من قيادات ب ي د كما حدث في الانسحاب الأمريكي من فيتنام، وسينظر النظام إلى عناصر ب ي د على أنهم خونة، وسيعاملهم على هذا الأساس، وسينكّل بهم أشدّ تنكيل كما فعل بكثير من عناصر المصالحات الذين وثقوا به، ثم غدر بهم.

الشعب الكردي صديقه ليس الجبال كما سيقول له قادة ب ي د، صديقه الحقيقي الشعب السوري بكلّ تنوعه، والذي يجمعه به تاريخ عيش مشترك مسالم وآمن، وهو سيكون كذلك في مستقبل البلاد بعد إسقاط نظام الأسد، والتخلّص من ممارساته الاستبدادية الجائرة.

على الوطنيين الأكراد اليوم أن يعلنوا رفضهم لقرار ب ي د تسليم شمال شرق سوريا للنظام، أو التحول إلى جزء من جيش الأسد، وأن يطالبوهم بفتح حوار فوري مع قوى الثورة والمعارضة العسكرية والسياسية، والاندماج معهم، وفتح باب للتصالح مع تركيا، هذا هو الأمر الصائب الوحيد الذي يمنع حدوث حرب أهلية بين العرب والأكراد، والأمر الصائب الوحيد الذي ينقذ الشعب الكردي من "محنة الجبال" التي يريد قادة ب ي د إرساله إليها.

سوريا بعموم أرجائها وطن الأكراد، ومظلومية "شعب بلا وطن" منحت اليهود وطناً محتلاً في فلسطين، لكن إذا لم يكن قادة الكرد يلحظون الفوارق بينهم وبين قادة الحركة الصهيونية فهذا يعني أنهم لا يفقهون أبسط مبادئ السياسة والعلاقات الدولية.