الجمعة 2019/08/09

لا شيء يحدث في سوريا.. سوى الحرب

الأسبوع الأول من شهر آب/أغسطس 2019 سيبقى استثنائياً نوعاً ما، بسبب الأحداث التي جرت فيه، ففي اليوم الأول والثاني منه انعقدت جولة مباحثات أستانا 13 التي أرادت التغطية على فشلها الذريع بإعلانين اثنين:

الأول: هو الإعلان عن هدنة مشروطة أو وقف إطلاق نار أو اتفاق تهدئة. شيء لم تستطع الدول الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران التوصل إلى تسمية محددة له، ولذا تم الإعلان عنه خارج البيان الرسمي الختامي لجولة أستانا 13 مكتفية بالإشارة إلى أن ممثلي هذه الدول "شددوا على ضرورة تهدئة الأوضاع على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب"، ومن نافلة القول اليوم، التذكير بالانهيار المريع لهذا الاتفاق أياً كان شكله.

الثاني: تضمين البيان الختامي فقرة عن قرب إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، مع علمهم أن نظام الأسد "فقأ عين بيدرسن" حين أبلغه رفضه التام للانخراط في أعمال اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة بغضّ النظر عن كونها مستندة للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أو كونها اللجنة المقصودة بالبيان الختامي لمؤتمر "الحوار السوري" في سوتشي مطلع عام 2018، وبغضّ النظر عن موضوع الأسماء الستة التي كانت مادة إعلامية لشغل الرأي العام بها لا أكثر، إضافة إلى علم الروس والإيرانيين أيضاً أن النظام يعمل على جمع "معارضة داخلية" في دمشق، لمناقشة إدخال تعديلات على دستور 2012، باعتباره "الدستور الشرعي" المعمول به حالياً في البلاد، وهو ما تحدث به "لافرينتيف" صراحة عقب الجولة حول طبيعة عمل اللجنة.

الحدث الثاني الذي وقع خلال الأسبوع الأول أيضاً من هذا الشهر كان الاجتماع العسكري التركي الأمريكي الذي استمر ثلاثة أيام، وانتهى على غرار أستانا 13 بالإعلان عن شيء هو الآخر لم يستطع أي من الطرفين التركي والأمريكي تحديد توصيف دقيق له.

وزارة الدفاع التركية تحدثت في بيانها عن إنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا، وأنه تم الاتفاق مع الجانب الأمريكي على جعل المنطقة الآمنة "ممر سلام"، فيما قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إن واشنطن ستنشئ آلية أمنية مع أنقرة تدخل حيّز التنفيذ تدريجيا، تزيل هواجس تركيا المشروعة في منطقة شمال شرق سوريا، إضافة إلى عدم الاتفاق على التسمية بين "منطقة آمنة"، أو "ممر سلام"، أو "آلية أمنية"، فهناك أيضاً إغفال كامل لأي تفاصيل حول النقاط الخلافية المعروفة بين تركيا والولايات المتحدة عن طول هذه المنطقة وعمقها داخل الأراضي السورية، ودور قوات التحالف الدولي في حمايتها، ودور الملشيات الكردية في إدارتها، وقضايا إعادة إعمارها وتأهيلها لتأمين عودة اللاجئين السوريين إليها، ومستقبلها في الحل السياسي النهائي، وغير ذلك من الأمور العالقة.

في مسار أستانا، وبعد سقوط ثلاث من مناطق خفض التصعيد بيد النظام، عادت المعارك مستعرة على أشدها على حدود المنطقة الرابعة في إدلب، وعاد الطائرات الروسية تقصف المدن والبلدات الآهلة بالسكان المدنيين، ومعظمهم من النازحين والفارّين والذين تم تهجيرهم قسراً من مناطق أخرى من البلاد.

على الطرف الآخر شمال شرق الفرات، لا تزال الحشود العسكرية التركية تتزايد، ويتزايد معها احتمال وقوع معارك مع المليشيات الكردية المنتشرة هناك، فكلا بياني وزارة الدفاع التركية والأمريكية لا يتحدث عن حلٍّ فوري يمنع ذلك، فمركز العمليات المشتركة المزمع إنشاؤه سيكون "خلال أقرب وقت" حسب وزارة الدفاع التركية، والآلية الأمنية المزمع إنشاؤها ستدخل "حيّز التنفيذ تدريجيّاً" حسب وزارة الدفاع الأمريكية.

إذن لا شيء يلوح في الأفق على كلا الطرفين يمكن أن يشير إلى قرب تهدئة للأوضاع العسكرية الملتهبة، ولا إلى قرب بدء عملية تفاوضية أو سياسية، تؤدي إلى حل لهذه المعضلة المستمرة منذ ثماني سنوات.. حتى الآن لا شيء يحدث في سوريا سوى الحرب.