الأثنين 2019/09/09

كل شيء يفشل في سوريا!

الأمم المتحدة، ومعها مجلس الأمن، وعشرات القرارات الصادرة عنه، فشلت جميعها في إيقاف "إطلاق النار" في سوريا، أو حتى تحريك عملية تفاوضية جدّية لإيجاد حل سياسي، ويبدو أنّ مجلس الأمن بعد 12 فيتو روسي، أو روسي صيني مشترك، توقّف عن إصدار قرارات تبقى حبراً على ورق، فبعد القرار 2254/2015 الذي تضمّن جدول أعمال تسوية سياسية، لم يبدأ منها خطوة واحدة، لم يصدر قرار له أهميّة تُذكر، ليتوقّف معه الزمان بانتظار تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وصياغة الدستور الجديد، وإرساء البيئة الآمنة والمحايدة، والانتخابات الحرة والنزيهة بإشراف الأمم المتحدة.

2139و2165 قراران أساسيان حول إدخال قوافل المساعدات الإنسانية للنازحين والمهجّرين قسرياً من مناطقهم، أيضاً لقيا فشلاً ذريعاً في التطبيق، وتُرك ملايين السوريين يواجهون أصعب الظروف المعيشية في ظل انعدام الكثير من الخدمات الحياتية الضرورية الغذائية والصحية، وبقيت أعداد كبيرة منهم في العراء يعانون من الظروف المناخية القاسية التي تتالت عليهم بين حر شديد، وبرد قارس، وأمطار وسيول جارفة، وعواصف ثلجية.

2118 قرار نزع الأسلحة الكيماوية المحرّمة دولياً التي استخدمها النظام لضرب الغوطة والعديد من المدن السورية، هو الآخر رغم تشكيل لجنة خاصة بالتحقيق، وأخرى لتفكيك برنامج أسلحة الدمار الشامل للنظام، يفشل أيضاً على كلا الصعيدين، ولا يزال النظام ماضياً في تصنيع الأسلحة الكيماوية، وفي استخدامها في الإبادة الجماعية للشعب السوري.

كذلك لا يخلو قرار من قرارات مجلس الأمن من المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، ووقف عمليات التعذيب والانتهاكات في السجون، إلا أنّ ذلك استمر، وفشل مجلس الأمن ولو في إطلاق سراح معتقل واحد، أو إحالة مرتكبي هذه الانتهاكات إلى المحاكم الدولية لمحاسبتهم على جرائمهم.

العنوان الرئيسي لمسار أستانا ودوله الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران، كان مناطق "تخفيف التوتّر" أو "خفض التصعيد" الأربع، لكن الفشل فيه كان أشدّ من فشل الأمم المتحدة في مسار جنيف، فالتوتر اشتدّ ولم يخفّ، والتصعيد ازداد ولم ينخفض، وثلاث مناطق تمّ نقض الاتفاق فيها بالكامل، واستعاد النظام السيطرة عليها، بعد حصار وتجويع وتدمير وقتل وتهجير لمعظم سكانها، والحرب مستعرة على أبواب المنطقة الرابعة والأخيرة في إدلب، مهددة باجتياحها، وبمصير كمصير سابقاتها.

سوتشي المؤتمر الملحق بأستانا، أعلن بيانه الختامي عن تشكيل لجنة دستورية بقي الفشل يلاحقها، وبقيت عالقة لمدة عامين تقريباً حول ستة أسماء مختلف عليها، رغم أنها لا تقدّم ولا تؤخر في قرارات اللجنة، سيستمر النظام في إفشالها حال بدء عملها على المضامين الدستورية التي يخشى النظام أن تكون وسيلة للحد من صلاحياته، أو طريقاً يمكّن من تغييره.

مقابل أستانا على الجانب الآخر من العالم أصدرت مجموعة الدول "المصغّرة" الخمس ثم السبع، ورقتين حول الدستور والانتخابات والبيئة الآمنة والمحايدة، هي الأخرى كانت فاشلة في تحويل أوراقها إلى مشروع عمليّ جادّ، ويبدو أنّ سقف هذه المجموعة كان وضع عمل اللجنة الدستورية تحت رعاية الأمم المتحدة، ومنع انفراد دول أستانا بها.

ما بين هذه المسارات ظهر الحديث عن المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، لتكون واحداً من التفاهمات التركية الأمريكية التي تهدف بحسب تركيا لحفظ أمنها القومي بإبعاد المليشيات الكردية عن حدودها، ولتأمين عودة مليون لاجئ من تركيا بهدف التخفيف من تبعات أعداد اللاجئين الذي يزيد على ثلاثة ملايين لاجئ على أراضيها، لكن الفشل لا يزال يلاحق المنطقة الآمنة بسبب خلاف وجهات النظر الشديد بين تركيا والولايات المتحدة حول المليشيات الكردية التي تعتبرها هذه الأخيرة حليفها الرئيسي في مكافحة الإرهاب، فيما تعتبرها تركيا على رأس قوائم الإرهاب التي ينبغي مكافحتها، وحول إشكالات عميقة يكتنفها الغموض في طبيعة إدارة المنطقة الآمنة.

الحسم العسكري يفشل المرة تلو الأخرى، ويعجز النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون والمليشيات الطائفية المرتزقة عن إعلان النصر العسكري، رغم كل الحرب الوحشية، واستخدام صنوف الأسلحة المحرّمة دولياً.

الحكومات الثلاث التي أنشئت في المناطق الخارجة عن سلطة النظام فشلت هي الأخرى في تقديم الخدمات المطلوبة للسكان المحليين، فلا الإدارة الذاتية التابعة للمليشيات الكردية، ولا حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، ولا الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني، استطاعت الوصول لأدنى معايير ما يمكن أن يسمّى حكومة محلية، والحكومة الرابعة الموجودة حالياً التي هي حكومة النظام في دمشق ليست بأفضل حالاً، فرغم فارق الإمكانيات التي تمتلكه إلا أنها انحدرت في مستواها انحداراً هائلاً، ووقعت في أزمات كبيرة مثل أزمات الغاز والبنزين والمياه و الكهرباء والأفران، وحتى في المستويات التعليمية والصحية، ويعتبر الانهيار الاقتصادي أبرز سمات هذه الحكومة بدلالة انخفاض سعر الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، واقترابها من سعر 700 ليرة مقابل الدولار الواحد.

إذن كل شيء يفشل في سوريا، ولا يقترب من ملامسة النجاح في أي من مفرداته وتفاصيله، ويبدو أنّ المعاناة ستستمر أطول ممّا كان متوقّعاً لها، ما لم يحدث شيء مغاير تماماً لما عليه الأمر اليوم.