الثلاثاء 2020/06/09

كل الحلول تؤدي إلى التغيير.. العرض الأمريكي الجديد الذي قدّمه “جيفري” للأسد !

توشك الأمور أن تخرج عن السيطرة تماماً في سوريا، بعد عشر سنوات من الحرب تمكّن فيها بشار الأسد من الاستمرار بالإمساك بزمام السلطة في هذه المدة التي هي نصف فترة حكمه البالغة عشرين عاماً، بعد تسلّمه مقاليد الحكم كوريث عن والده، الذي كان قد أرسى حكماً حديدياً في البلاد لمدة ثلاثين عاماً سبقت موته.

هذه السنوات العشر وبحسب الكثير من الخبراء الروس الذي كتبوا خلال الأشهر الماضية أظهرت عجزاً كبيراً في إدارة الدولة السورية، وفساداً غير مسبوق، وأن رئيس النظام لم يعد مؤهّلاً للبقاء في السلطة، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وأن على روسيا أن تجد حلّاً مناسباً تحافظ فيه على مصالحها التاريخية في سوريا، ولا تفقد مكاسبها التي حققتها خلال هذه الحرب التي كلّفتها الكثير.

الخطوات الروسية الأخيرة المتمثلة في تعيين مبعوث شخصي للرئيس بوتين، وفي الاستيلاء على مساحات أوسع للقواعد البرية والبحرية على الساحل السوري توحي أن بوتين أخذ بمخاوف انهيار مفاجئ في السلطة في سوريا، أو حدوث تفكك وانقسام يؤدي إلى تفكك أوصال البلاد، لذا عمل على تسريع تثبيت وجوده في المناطق الحيوية لروسيا على الساحل، وضمن البيئة السكانية التي سيعمل ممثله على إقناعها بحاجتها إلى نوع من الحماية الروسية لها، فيما لو دخلت البلاد في حالة من الفوضى.

على الجانب الآخر كان مثيراً للانتباه تصريح السفير الأمريكي "جيمس جيفري" في أنّ الولايات المتحدة قدمت للأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، وإنه إذا كان مهتما بشعبه فسيقبل العرض.

تصريح جيفري هذا جاء إثر انهيار للعملة السورية قبيل تطبيق قانون قيصر ببضعة أيام، وبدأ فيها صرف الدولار الواحد يقترب من حاجز 4000 ليرة سورية، وهو أمر يحدث لأول مرة في تاريخ سوريا.

جبفري الذي ربط هذا الانهيار بقانون قيصر لم ينس أن يتحدث عن عجز حلفاء النظام الأساسيين في إنقاذه هذه المرة حيث أشار إلى أنّ ما يحدث فيه "دليل على أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام: وأضاف "أن النظام لم يعد بدوره قادرا على تبييض الأموال في المصارف اللبنانية التي تعاني هي أيضا من أزمة".

بعد مبادرة الجامعة العربية في دعوتها الأسد للتنحي عن السلطة وسط عام 2012 ثم عودتها لتأكيد هذا النداء نهاية نفس العام، لم تظهر مبادرات رسمية عربية أو دولية مشابهة، الملاحظة المهمة في المرتين التي أطلقت فيها الجامعة العربية مبادرتها، أنها كانت تأتي عقب اجتماع كبير للمعارضة السورية، المرة الأولى عقب اجتماع القاهرة، والثانية عقب تشكيل الائتلاف الوطني السوري.

البيـان الصادر عن اجتماع اللجنة الوزارية العربية المعنية بالوضع في سورية في الدوحة 9/12/2012 طالب بشار الأسد بالاستجابة إلى قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 7510 بتاريخ 22/7/2012 القاضي بتنحّيه "عن السلطة لتسهيل عملية بدء مرحلة الانتقال للسلطة"، "والتأكيد على الدعم الكامل لمهمة السيد الإبراهيمي في التوصل إلى صيغة تضمن التوصل إلى توافق بين أعضاء مجلس الأمن لاستصدار قرار يُفضي إلى انتقال السلطة وتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية تتولى مقاليد إدارة البلاد".

قرارات مجلس الأمن تالياً، ومؤتمري فيينا حافظت كما هو الحال هنا على آليات بيان جنيف في خطوات العملية الانتقالية عبر إقامة هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية، وتضم أعضاء من الحكومة القائمة والمعارضة، وتعمل على صياغة دستور جديد للبلاد، تجري على أساسه انتخابات حرة ونزيهة لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة.

إذن بيد السفير الأمريكي "جيمس جيفري" أرضية قانونية عربية ودولية تستند إلى القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وعن الجامعة العربية، ومع وجود لجنة دستورية تعمل برعاية الأمم المتحدة، فيمكن للولايات المتحدة أن تقدم مبادرة تدعو من خلالها بشار الأسد لتسليم مقاليد السلطة في البلاد لحكومة انتقالية، وتسريع عمل اللجنة الدستورية، لوضع دستور جديد، ولتهيئة البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء الانتخابات العامة في البلاد.

ووفق بعض التسريبات حتى الآن فإن بشار الأسد سيحصل على ملاذ آمن في واحدة من الدول المرتبطة بروسيا، مثل كازاخستان التي شهدت عدداً من الجولات التفاوضية حول الملف السوري.

الاحتمال الثاني المطروح حول مبادرة جيفري هو الطلب من بشار الأسد طرد القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لها وعلى رأسها حزب الله من جميع الأراضي السورية، والقبول بوقف إطلاق نار شامل، والانخراط الفوري والجدي في العملية التفاوضية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، واعتبار استجابة الأسد لهذه الطلبات تغييراً مقبولاً في سلوكه، يمكن بسببه تخفيف العقوبات المفروضة على النظام حسب قانون قيصر.

في كلتا الحالتين النتيجة النهائية متقاربة، سيكون هناك تغيير حقيقي في البلاد، وستحافظ الدول الرئيسية الثلاث ذات الشأن في الملف السوري على مصالحها، تركيا في الشمال، والولايات المتحدة في الشرق، وروسيا على ساحل المتوسط، وبالطبع يعود الهدوء والأمن على حدود الجولان المحتل.

الخاسر الوحيد هنا هو إيران، وهي سترفض بلا شك رغم أوضاعها الداخلية القلقة، وستعمل على تخريب أي مبادرة تسير في هذا الاتجاه، أو ذاك، لكن هل لا يزال لدى الأسد القدرة على فكّ الارتباط بإيران، وإنقاذ ما تبقّى من الدولة السورية؟، وهذا الذي عناه جيفري في أن الأسد إذا كان مهتماً بشعبه فسيقبل العرض، أم أنه سيستمر في التشبث بالسلطة إلى أن يلقى مصير القذّافي؟

ليس لدى الأسد وقت طويل للتفكير!!