الجمعة 2020/09/04

قسد.. “مذكّرة تفاهم” في موسكو، أم صفقة مقابل تسليم دير الزور والرقة لنظام الأسد ؟

الدستور الذي نشرته "الإدارة الذاتية" لشمال شرق سوريا، تضمّن نقاطاً أساسية تحدد معالم دولة مستقلة تقريباً عن الدولة السورية، وإن كانت تتجنّب تسميتها بذلك، وتنحو نحو تسميتها بفيدرالية "روج آفا".

هذه الفيدرالية حسب الدستور، أو العقد الاجتماعي تتحدّث عن "شعوب روج آفا –شمال سوريا من الكرد والعرب والسريان الآشوريين والتركمان والأرمن والشيشان والشركس" الذين وجدوا "أن نظام الفيدرالية المؤسسة على مفهوم جغرافي، ولا مركزية سياسية وإدارية، هو النظام الأمثل في روج آفا كردستان".

الفيدرالية لها عاصمة هي القامشلي، وعلم خاص يرفع الى جانب علم فيدرالية سوريا، وتنظّم مؤسساتها الإدارية على تقسيمات تستند إلى الكومونات والأكاديميات والتعاونيات والاتحادات والمجالس، وتملك حق إعلان السلم والحرب، وتكريس العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الشعوب والبلدان المجاورة، ولها صلاحية الاستفتاء في المشاركة في الاتفاقيات الدولية أو الخروج منها، وتمنح حق اللجوء السياسي، ولها مفوضية عليا للانتخابات، ومجلس يصادق على نتائج الانتخابات العامة، والاستفتاءات العامة.

"قوات سوريا الديمقراطية" حسب الدستور،هي قوات الدفاع المسلحة المكلَّفة بالدفاع عن فيدرالية روج آفا، وتنظّم نفسها بصورة شبه مستقلة، ويتم الإشراف على فعالياتها من قبل مؤتمر الشعوب الديمقراطي وهيئة الدفاع.

معالم هذه الدولة زالت بالكامل في "مذكرة التفاهم" الموقعة في موسكو بين مجلس سوريا الديمقراطية ممثلا برئيس الهيئة التنفيذية "إلهام أحمد" وحزب الإرادة الشعبية ممثلا بأمين الحزب قدري جميل، في 31/8/2020.

إذا استبعدنا حزب الإرادة الشعبية من المشهد، فمذكرة التفاهم يمكن أن تكون بمثابة وثيقة تعهّد والتزام من قسد أمام الدولة الروسية التي ظهر وزير خارجيتها لافروف في حفل التوقيع هذا!

حسب مذكرة التفاهم فإن قسد تحصل على وعد من "منصة موسكو المعارضة" بدعم "ضم منصات المعارضة الأخرى إلى العملية السياسية السورية بما فيها مجلس سوريا الديمقراطية" و"الاستفادة من تجربة الإدارة الذاتية إيجاباً وسلباً، كشكل من أشكال سلطة الشعب في المناطق، ينبغي تطويره على المستوى الوطني العام، وفي إطار التوافق بين السوريين، وبما يعزّز وحدة الأراضي السورية، وسيادة دولتها ونظامها الإداري العام" ووعد بإدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري النظامي، وأخيراً وعد بالعمل على إشراك مجلس سوريا الديمقراطية في اللجنة الدستورية السورية.

لا بدّ من السؤال إذن ، ما الذي دفع قسد وهي المشروع الأمريكي أصلاً، للتخلّي عن مشروعها بشكل كامل تقريباً، وفي روسيا!!، مقابل هذه الوعود الهزيلة؟

التبرير بالحصول على حق التمثيل ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴة ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ، غير مقنع، أو غير كافي على الأقل، حتى هذه فقد ﻗﺎﻝ قدري ﺟﻤﻴﻞ عنها بعد توقيع المذكرة ﺇﻥ ‏"ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﺃﺻﻼً ﻓﻲ ﻣﻨﺼﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﻹﻋﺎﺩﺓ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺼﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ 3 ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ‏" ، وأضاف ﺃﻥ ‏"ﻣﺴﺪ ‏" ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺕ ‏ﻣﻮﺳﻜﻮ 1، ﻭﻣﻮﺳﻜﻮ 2 ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﺃﻧﺘﺠﺎ ﻣﻨﺼﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ، ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ‏ ﻣﺴﺪ ‏ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺽ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ، ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﺎً ﺑﺎﻟﻘﺮﺍﺭ ‏( 2254 ‏) ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻗﺮ ﺣﻀﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﺼﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ".

اقرأ أيضاً:هل تسلّم “قسد” شمال شرق سوريا للنظام إذا أنشئت المنطقة الآمنة؟

قسد تشعر بالخطر بعد الرفض الشعبي المتزايد من العرب في المنطقة، لوجود قسد فيها على شكل سلطة أمر واقع متحكّمة تمارس العديد من الانتهاكات بحق العرب، وتحرمهم من المشاركة في إدارة شؤونهم، وتنهب مواردهم وثرواتهم، وتصادر منازلهم، وتمنع المهجّرين والنازحين من العودة إلى قراهم وأراضيهم، ثلاث قرارات حول المناهج المدرسية، وأملاك الغائبين، وعقد النفط مع شركة أمريكية، وصل هذا الرفض إلى حدّ الغليان في دير الزور، وامتدّ نحو الرقة والحسكة، وأوصل بدوره قسد إلى قناعة كاملة أنها لن تستطيع الاستمرار في احتلال مناطق عربية لا أثر لوجود كردي فيها بالأصل، وهي التي كانت قد أجبرت من الولايات المتحدة على الذهاب إليها تحت ستار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وعوضاً عن أن تكافئها الولايات المتحدة في تثبيت نفوذها في المناطق الشمالية المحاذية للحدود التركية التي تعتبرها "كردستان سوريا" وجدت قسد نفسها تفقد اثنين من كانتوناتها الثلاثة هناك، فقدت كانتون عفرين، وعين العرب، ثم فقدت تل أبيض امتداداً إلى رأس العين، وهي لا تأمن أن تفقد كانتون القامشلي الأخير الباقي بيدها فيما لو قررت تركيا الدخول إلى نقطة قريبة من مدينة القامشلي.

تركيا اليوم هي أسّ المعادلة في حسابات وتحركات قسد، وقسد أمام شهور "عجاف" بسبب الانتخابات الأمريكية، وتخشى أن تستغلّها تركيا في نوسيع نفوذها معتمدة على حلفائها في المعارضة السورية، إضافة إلى أن قسد التي عانت من تخبط ترامب في قراراته شمال شرق سوريا، فهي غير واثقة من سياسات أي إدارة أمريكية ما بعد الانتخابات، وقسد إن كان لديها قلق من فقدان مناطق سيطرتها، لكن القلق الأكبر هو من سيبسط سيطرته عليها، وهذا سبب ذهابها إلى موسكو عبر بوابة قدري جميل.

ما تحت مذكرة التفاهم قد تكون صفقة تسليم المناطق خارج حدود "الإدارة الذاتية" لروسيا على غرار مناطق الجنوب في درعا، يتبعها عودة تدريجية للنظام، مقابل قبول النظام بالإدارة الذاتية كشكل من أشكال الحكم الذاتي المحلي، والإبقاء على قوات قسد كقوات محلية تندمج في الجيش النظامي أيضاً على غرار الفيلق الخامس في الجنوب، المهم في الأمر أن لا تعود هذه المناطق إلى المعارضة التي تعتبرها قسد عدوة لها، فيما دأبت على مناشدة النظام التدخل لمنع سقوط مناطق كانت تحتلها بيد فصائل المعارضة، وأن ذلك يعني دخول تركيا إليها.

بالطبع هذه الصفقة تتسق مع رؤية روسيا المعلنة في ضرورة عودة قوات النظام إلى بسط سيطرته على كامل أراضي الدولة السورية، وأن هذا هو الأساس الذي تبنى عليه العملية السياسية واللجنة الدستورية، وغير ذلك من بنود القرار 2254.

تعهّد روسيا بتفعيل اتفاقية أضنة قد يخفف من القلق التركي تجاه الاعتراف بالإدارة الذاتية، ومع عدم وجود ردود فعل أمريكية على مذكرة التفاهم حتى الآن، سيكون هذا السيناريو فيما لو بدأ تنفيذه، من أسوأ السيناريوهات التي يواجهها السكان المحليون في المنطقة الشرقية الذين سيتعرضون من جديد لأبشع أنواع الانتهاكات من قوات النظام ، والميليشيات الطائفية الموالية له.