السبت 2019/07/06

في سوريا.. لجنة دستورية وسط دخان المعارك!

فقط خطوتان قصيرتان تفصلان المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسن" عن الإعلان عن أسماء أعضاء اللجنة الدستورية المنبثقة عن مؤتمر سوتشي مطلع العام الماضي.

بعد مغادرته موسكو سيتوجه "بيدرسن" إلى دمشق للقاء مسؤولي نظام الأسد، ومنها إلى الرياض للقاء هيئة التفاوض، وبعدها سيطير إلى نيويورك ليلتقي الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس" ليبشّره بموافقة النظام أخيراً على تشكيل هذه اللجنة بعد مماطلة استمرت سنة ونصف تقريباً، ومن هناك ستتم دعوة مئة وخمسين شخصية سورية لعقد أول جولة من جولات اللجنة الدستورية في جنيف غالباً للاتفاق على القواعد الإجرائية الناظمة لعمل اللجنة من حيث مواعيد الجلسات وطريقة التصويت والرئاسة المشتركة لها، واختيار 45 شخصية منهم ليكونوا لجنة "صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254" حسب بيان سوتشي.

يجب الاعتراف بحقيقة مهمة هنا، أننا أمام شيء مختلف وبشكل جذري عن مفهوم وخطوات عملية الانتقال السياسي التي كان يجري الحديث عنها وسط عام 2012، أي قبل سبعة أعوام تماما من هذا اليوم حين صدر بيان جنيف 30 حزيران/يونيو 2012 والذي استند القرار 2254  -فيما يزعم- إليه، وإلى بيان الفريق الدولي في فيينا المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

صحيح أن الألفاظ والكلمات متشابهة نوعاً ما، بينها وبينها وبين بيان سوتشي، مثلاً يمكن تجاوز الفرق بين صياغة دستور جديد وإصلاح دستوري واعتبار أن المؤدّى واحد، وتجاوز الفرق بين "هيئة حكم انتقالية"، و"حكم ذا مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية"، واعتبار أيضاً أن المؤدّى واحد، لكن لا يمكن بحال من الأحوال إلا الاعتراف أن المجتمع الدولي والمعارضة السورية معاً خسرا معركتهما السياسية مع روسيا، فالفرق شاسع بين ترتيب الخطوات الواضحة التي يجب أن تسير بها العملية الانتقالية، التي حدّدها بيان جنيف " قبل سبع سنوات، والمتمثّلة بـــ:

أولاً: إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية.

ثانياً: بدء عملية حوار وطني يعاد من خلالها "النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام"

ثالثاً: بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة.

وبين الغموض الشديد بسبب كثافة دخان المعركة السياسية الذي لفّ هذه الخطوات في القرار 2254. الذي لم يعد ممكناً فيه تمييز من أين تبدأ هذه الخطوات، لكن ومع انطلاق اللجنة الدستورية سنكون حتماً قد تجاوزنا هيئة الحكم الانتقالية إلى غير رجعة، وإنّ مؤتمر سوتشي قد قطع نصف الخطوة الثانية باعتباره مؤتمر الحوار الوطني المنصوص عليه فيها.

ستعمل اللجنة الدستورية وسط دخان كثيف آخر من المعارك العسكرية التي لن تتوقّف على الأرض، والتي دأب النظام على تصعيدها وبشكل وحشي رافق كل جولات جنيف وأستانا العشرين التفاوضية، وسيجد المفاوضون في اللجنة الدستورية أنفسهم أمام مأزق الضغط الشعبي عليهم في الانسحاب من أعمال اللجنة أو تعليق المشاركة فيها، كما كان يجري في مفاوضات جنيف وأستانا سابقاً.

توقفت مفاوضات جنيف ما يقارب 24 شهراً بين 2014 و2016، ثم 12 شهراً إلى 2017، ثم ها هي متوقفة منذ 19 شهراً، بمجموع 55 شهراً من عمرها البالغ 66 شهراً إلى يومنا هذا، لكن لنفترض أن اللجنة الدستورية أنهت أعمالها خلال مدة ستة أشهر كما هو مقرر لها، فالنهاية الحتمية لها أن تحال نتائج عملها إلى نظام دمشق، وأن يُطلب منه تهيئة بيئة آمنة ومحايدة لإجراء "انتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً" أي مع دخول موعد الانتخابات الرئاسية 2021.

أمل وحيد في هذا النفق الأسود أن يتمكّن المفاوضون من وضع مواد دستورية تمنع بشار الأسد ورموز الإجرام في نظامه من المشاركة في الحياة السياسية المقبلة في البلاد بشكل من الأشكال، وأن يُساقوا قبل ذلك إلى المحاكم الدولية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لمحاسبتهم على جرائمهم ضد الشعب السوري، ما عدا ذلك سيكون كل ما يُكتب ليس أكثر من حبر على ورق في بلاد لا يعني بها الدستور شيئاً يُذكر.