الثلاثاء 2019/08/20

سوريا حربٌ بين الحروب.. وجمودٌ سياسيٌّ يلوح في الأفق!

الفرق بين نظرة السوريين للحرب الطاحنة المستمرة في بلادهم لسنوات خلت، وبين نظرة المجتمع الدولي –بلا استثناء-لها، هو تماماً كالفرق بين نظرة الجرّاحين والممرّضين في غرفة العمليات للجسد الذي بين أيديهم، وبين نظرة أهله الذين ينتظرون مصيره خارج غرفة العمليات. بطبيعة الحال الغرفة معقمة، والكل يلبسون الثياب الواقية من جرثومة أو عدوى يمكن أن تنتقل من المريض لتصيب المحيطين به والممتدة أصابعهم في جسده، مع احتياطات زائدة فيما لو كان الخطر أكبر، يخرج مريض ويدخل آخر، ويتكرر دخول مريض لغرفة العمليات مرات عديدة، ويشفى بعضهم، ويموت آخرون، أو يفقدون جزءاً من أجسادهم، أو يدخلون في سبات بسبب خطأ طبي.

هكذا تجري الأمور في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، سوريا واحدة من الحروب والأزمات الدولية، في سلسلة يصعب حصرها على مدى ما يزيد عن سبعين عاماً، بدءاً من أزمة الكوريتين خمسينات القرن العشرين، مروراً بفلسطين وفيتنام وأفغانستان وقبرص وسريلانكا والشيشان والبوسنة والسلفادور ورواندا والصومال والسودان والكويت والعراق، وانتهاء بليبيا واليمن وسوريا.

تهديد "الأمن والسلم الدوليين" الذي هو المحرك الأساس لعمل مجلس الأمن، تم احتواؤه تقريباً، فهو كان يتمثل في أمرين اثنين بخصوص سوريا: الأول منهما أمن تل أبيب، والثاني وصول اللاجئين السوريين إلى أوروبا، ففي الأول تم إعادة النظام إلى الحدود السورية الإسرائيلية عبر تسليمه منطقة خفض التصعيد في الجنوب حسب اتفاق أستانا، وهذا يضمن عودة الهدوء والاستقرار الذي كان سائداً على هذه الحدود لعشرات السنين، وفي الثاني تم توقيع اتفاق مع تركيا يضمن منع وصول اللاجئين السوريين عبر أراضيها إلى أوروبا، وما عدا هذين الأمرين تفاصيل غير مهمة كثيراً ما دامت لا تؤثر على مؤشرات أسواق المال والاقتصاد العالمية.

اللاعبون الدوليون "الكبار" كما الجرّاحون في غرفة العمليات، لا يخسرون شيئاً، وهم والأتباع الذين يدورون في فلك كل واحد منهم سيكون لهم نصيب من عقود إعادة الإعمار، أو النفوذ والامتيازات في تشكيل مستقبل البلاد، أو المصالح البينية بينهم، وحين يجتمعون يناقشون هذه القضايا، وعلى هامشها يجري الحديث عن المسائل الإنسانية وضرورة وقف العنف والانتهاكات، إذ لا بدّ من إيجاز صحفي "أخلاقي" كما هي قرارات مجلس الأمن "مواعظ" لنظام الأسد لا أكثر.

المشكلة اليوم أن حرب النظام على الشعب السوري إضافة إلى أنها واحدة من حروب داخلية، هي أيضاً حرب بين حروب خفيّة وعلنيّة تجري بين أطراف خارجية إقليمية ودولية، تتوزع بين دول ومحاور وتنظيمات مسلحة، ومسارات سياسية منقسمة بين جنيف وأستانا ومجموعة الدول المصغّرة.

رغم أحداث إدلب الكارثية ألغى مجلس الأمن جلسة مخصصة حولها بداعي مرض المبعوث الأممي "بيدرسن". اللافت في الأمر أن بيدرسن غرّد في أقل من 24 ساعة أنه استعاد كامل نشاطه، يبدو أنه لم يكن لدى بيدرسن شيء جديد يتحدّث به، وهو مضطر لانتظار 11 أيلول/سبتمبر القادم لتعقد قمة الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانا روسيا وتركيا وإيران، ثم انتظار اجتماع مجموعة الدول المصغّرة في اليوم التالي 12 أيلول/سبتمبر ليرى هل من نتائج يمكن أن تحرّك الملف المشلول.

هذا الوضع يعود بنا إلى أجواء وسط عام 2015 حين تحدّث المبعوث الأممي السابق دي ميستورا بعد سنة تقريباً من تعيينه أنه بعد قبوله لهذه المهمة وجد أن كل شيء كان قد توقّف بعد فشل مفاوضات جنيف 2، وأن المجتمع الدولي بدأ ينسى سوريا مثلما نسي الصومال، لكن قتل تنظيم الدولة لرهينتين أمريكيتين أيقظ العالم من جديد، وعاد لمعالجة الملف السوري، رغم ذلك قال دي ميستورا إنه سينتظر نتائج مؤتمرات ومبادرات تجري في القاهرة وموسكو وأستانا، وإن كانت مبادرات إقليمية محدودة حسب تعبيره، وعلى أساسها سيفكّر بالدعوة إلى جنيف 3 لضمان نجاحها، خشية دخول الملف السوري في سبات طويل كما هو حال ملف الصومال اليوم.

ليس من شيء كبير منتظر في اجتماع دول أستانا 11أيلول/سبتمبر القادم، سقف التوقّعات إعلان قبول النظام بتشكيل اللجنة الدستورية دون تفاصيل، والكل يعلم بتفاصيل جهّزها النظام كافية لإغراق اللجنة الدستورية، وإدخالها في متاهات لا تخرج منها، وإن امتدت السنوات تلو السنوات، أو يفشل الاجتماع في ذلك، ليغتنم اجتماع الدول المصغرة هذا ليعلن نهاية مسار أستانا، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر، وإلى المناكفات مع روسيا في جنيف، ومحاولة استصدار "مواعظ" جديدة في مجلس الأمن ، مع رجاء أن يلتزم بها هذه المرة نظام الأسد "المارق".