الأثنين 2019/03/04

رئيس مجلس شورى سعودي، أم ناطق باسم الكنيست الإسرائيلي؟

"الشخص الخطأ في المكان الخطأ" هذا هو التوصيف الدقيق لرئيس مجلس الشورى السعودي "عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ". والمكان الخطأ هو أنه يحضر الدورة التاسعة والعشرين للاتحاد البرلماني العربي في عمّان، المنعقدة تحت شعار "القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين".

يبدو أن الحرج أمام الشعوب التي يدّعون تمثيلها، من عدم حضور هذا الاجتماع كان هو الدافع الوحيد لممثلي مصر والإمارات والسعودية للمشاركة به على مضض، لكن الحرج من توبيخ تل أبيب لهم طغى على المشهد النهائي للمؤتمر، فالفقرة "الأخيرة" من البيان الختامي نصّت على "أنّ واحدة من أهمّ خطوات دعم الأشقّاء الفلسطينيين، تتطلّب وقف كافّة أشكال التقارب والتطبيع مع المحتل الإسرائيلي، وعليه ندعو إلى موقف الحزم والثبات بصدّ كل أبواب التطبيع مع إسرائيل".

مع أن حالة البرلمانات العربية دون استثناء غير مرضية، فهي كسلطة تشريعية مفترضة حسب الدساتير تكاد تخضع خضوعاً شبه مطلق للسلطة التنفيذية عبر التحكّم في نتائج الانتخابات في الدول التي تجري فيها هذه "المسرحية"، إلا أن إطلاق اسم برلمان على مجموعة أشخاص يأتون عبر عملية تعيين كما هو الحال في مجلس الشورى السعودي، يجعل أيضاً من الخطأ دعوتهم بالأصل إلى مثل هذه مؤتمرات.

مجلس الشورى السعودي وعلى لسان رئيسه "يتم اختيارهم من مقام خادم الحرمين الشريفين"، وهو لا ينسى هنا أن يثبّت التهمة على نفسه من حيث لا يدري فيضيف "وهو اختيار يقوم على معايير دقيقة" بالطبع معايير دقيقة يتأكد من خلالها "خادم الحرمين" من انقياد البرلمان له انقياداً لا شكّ فيه، وكل ما يفعله المجلس هو "رفع ما يقرره إلى مقام خادم الحرمين الشريفين بوصفه المرجع الأعلى لكافة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية". والخطاب "الملكي" في أول كل سنة شورية هو "وثيقة العمل وخارطة الطريق" التي يسترشد بها المجلس في عمله، وعند سؤاله "مناقشة الموازنة العامة للدولة من المهام الأصيلة للبرلمانات في العالم، فمتى يبدأ مجلس الشورى في ممارسة دوره في هذا الجانب؟" كان جوابه "أما متى يبدأ المجلس بمناقشة الميزانية؟ فإن وليّ الأمر – حفظه الله – لن يتأخر في إحالة الميزانية للمجلس متى ما رأى مناسباً ويحقق المصلحة العامة". ومثل هذا الجواب كان حاضراً عن سؤال حول توسيع صلاحيات المجلس فإنّه "متى ما رأى ولي الأمر أن هناك حاجة لمنح المجلس صلاحيات أوسع، فإنه – يحفظه الله – لن يتوانى في ذلك".

رئيس مجلس الشورى حضر المؤتمر وهو يعلم أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" قد قطع أشواطاً كبيرة في تفاهماته مع الإسرائيليين حول "صفقة القرن" وأنها قاب قوسين أو أدنى في الإعلان عنها، وأن مؤتمر البرلمانيين العرب ما انعقد إلا من أجل محاولة توحيد الصف العربي حول "القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين". وعدم التفريط بالمسجد الأقصى والتنازل عنه لبناء الهيكل اليهودي مكانه عبر صفقات منفردة يعمل عليها محور السعودية مصر الإمارات البحرين، لذا كان تحفّظ "آل الشيخ" يرقى إلى مستوى الفضيحة السياسية حين اعترض على بند وقف التطبيع بقوله: "هذا الجانب له صفة سياسية يختص به وزراء الخارجية، وأنه يصاغ بشكل دبلوماسي لأنه ليس فيه جزئيات قانونية وإنما هو موقف سياسي" كان عليه أن يضع احتمالاً ولو بسيطاً جداً أن هناك تقاليد برلمانية في مكان آخر في العالم غير التي يعهدها في بلده، كان عليه أن يتوقع أن البرلمانات لا تنشغل فقط بقضايا "نظام البيع بالتقسيط، ونظام رعاية الأحداث، وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، ونظام ممارسة أعمال المكاتب العقارية، ومشروع ضوابط البت في قضايا غياب بعض المستأجرين، أو هروبهم وفي ذممهم إيجارات متبقية مع ترك العين مقفلة" كما قال في حديثه عن مهام المجلس.

رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة يفهم جيداً البعد الذي يتحدث من خلاله رئيس مجلس الشورى السعودي، وأنّ آل الشيخ ومجلسه لا يرون في أنفسهم إلا مهمة تمثيل "خادم الحرمين وولي عهده" وأنّ تعيينهم كان لهذه المهمة حصرياً، لذا كان ردّ الطراونة صاعقاً حين قال: " نحن كبرلمانيين بمنأى عن السياسيين، نحن نمثل الشعوب، والشعوب لا ترغب بالتطبيع مع إسرائيل ونتعامل معه بأنه كيان محتل مغتصب لأرض عربية فلسطينية".

متى سينتقل مجلس الشورى السعودي ورئيسه إلى فهم أنهم يمثلون الشعب، لا الملك وولي عهده؟ يبدو الأمر بعيداً!!