الخميس 2018/05/24

خطاب بومبيو: أمريكا تعطي الضوء الأخضر لحرب أهلية في إيران

نحو حرب أهلية، أضواءٌ خضراءٌ كثيرةٌ تعمي أبصار نظام إيران أشعلها وزير الخارجية الجديد "بومبيو" في خطابه الناري عن الانسحاب من الاتفاق النووي، الاتفاق الذي ورد ذكره في شرطين اثنين فقط من الشروط "الاثني عشر" التي وضعتها الإدارة الأمريكية على طهران لإعادة النظر في هذا الاتفاق، الشروط العشرة تذهب بعيداً، وبعيداً جداً عن الاتفاق، وضعت ليكون رفضها هو الخيار الوحيد أمام إيران، بل والذهاب بحكام إيران إلى حالة هستيرية من الغضب والتهديد والوعيد بالانتقام من "الشيطان الأكبر" صاحب الجنسية الأمريكية هذه المرة.

"سبب بسيط" حسب قول بومبيو دعا الرئيس ترامب للانسحاب من الصفقة: لقد " فشلت في ضمان سلامة الشعب الأمريكي من المخاطر التي أوجدها قادة جمهورية إيران الإسلامية"!!، سيفكر قادة الجمهورية الإسلامية كثيراً بهذه المخاطر، فبومبيو ذكر مخاطر لا تتعلّق "بسلامة الشعب الأمريكي، بومبيو تحدث عن مخاطر " قذائف تهبط في الرياض ومرتفعات الجولان" وليس على الأراضي الأمريكية، أضاء بومبيو بعدها أول ضوء أخضر حين قال: " لا مزيد من خلق الثروة للفاسدين الإيرانيين"

بعد مقدمة قصيرة عن عيوب الاتفاق ينتقل بومبيو إلى لبِّ حديثه، رسائل واضحة ومركزة بشكل دقيق على أهدافها، ثم يخاطب الشعب الإيراني، ويضعه أمام الحقيقة المرّة حول حكّامه بطرفيهم الكبيرين: نظام الولي الفقيه والحرس الثوري من جهة، والحكومة والرئيس المنتخب من جهة ثانية، ويطلب منه ألا يفرّق بينهم، وألا ينخدع بقول الغرب "لو استطاعوا فقط السيطرة على آية الله خامنئي وقاسم سليماني، فإن الأمور ستكون عظيمة". يقول بومبيو للإيرانيين: "ومع ذلك، فإن روحاني وظريف هما قائمتك المنتخبة. هل هم ليسوا الأكثر مسؤولية عن الصراعات الاقتصادية الخاصة بك؟ هل هؤلاء الاثنين غير مسؤولين عن إهدار الأرواح الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط؟"

الثروة الطائلة والأموال التي حصل عليها قادة النظام الإيراني نتيجة الاتفاق، رفضوا استخدامها في تعزيز الحظوظ الاقتصادية لشعب يكافح في سبيل العيش، بدلاً من ذلك أنفقها النظام على تغذية حروب بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبدلاً من أن يضعها في جيوب الشعب الإيراني وضعها في جيوب الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله وحماس والحوثيين.

قائمة الإرهاب الدولي المتورطة فيها إيران، والتي سردها بومبيو طويلة بدأت بحزب الله اللبناني والتهديد الذي يشكّله لإسرائيل، وأعمال القتل الوحشية التي يمارسها في دعم نظام الأسد، والتسبب بتهجير ملايين السوريين، وخطر المقاتلين الأجانب الذين عبروا الحدود مع اللاجئين إلى أوروبا وهددوا تلك البلدان. جماعات الميليشيات الشيعية والإرهابيين الذين تسللوا إلى قوات الأمن العراقية، وعرّضوا سيادة العراق للخطر، صواريخ الحوثي في اليمن تهاجم أهداف مدنية في السعودية والإمارات وتهدد الشحن الدولي في البحر الأحمر. دعم طالبان في أفغانستان، وقوة القدس الإيرانية التي تقوم بعمليات اغتيال سرية في قلب أوروبا.

احتجاز الأمريكيين كرهائن في سجون طهران، فيما تمتنع في ذات الوقت عن تقديم كبار أعضاء القاعدة المقيمين في إيران إلى العدالة.

يصل بومبيو إلى النتيجة: نظام إيران أكبر راع للإرهاب في العالم، ويسأل الشعب الإيراني: هل هذا هو ما تريد أن تعرفه بلادك؟ تعتقد الولايات المتحدة أنك تستحق الأفضل. يطلب بومبيو من الشعب الإيراني أن يفكّر مليّاً هل هناك فرقٌ بين الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف، وبين السلوكيات الخبيثة وغير الأخلاقية للنظام. هل علينا أن نعاملهم بطريقة مختلفة كما تريد أوروبا. أم أنهم في مكان واحد؟

أهداف الولايات المتحدة ضد إيران تشمل "العمل مع الحلفاء لمواجهة أنشطة النظام المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ومنع تمويل الإرهاب، ومعالجة إنتاج إيران للصواريخ وأنظمة الأسلحة المتقدمة الأخرى التي تهدد السلام والاستقرار، وضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي.

مع أن بومبيو أعلن عن خطة أمريكية لتحقيق هذه الأهداف عبر:

1- تطبيق ضغط مالي غير مسبوق على النظام الإيراني، ستكون أقوى عقوبات في التاريخ، ستُجبر إيران على اتخاذ خيار: إما أن تكافح لإبقاء اقتصادها على قيد الحياة، وإنفاق أموالها في الداخل أو تبديد ثرواتها الثمينة في المعارك في الخارج. لن يكون لديها الموارد للقيام بكل منهما.

2- العمل عن كثب مع وزارة الدفاع وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين لردع العدوان الإيراني، وضمان حرية الملاحة على المياه في المنطقة. لن يكون لدى إيران مرة أخرى تفويضا مطلقا للسيطرة على الشرق الأوسط.

3- الطلب من الشركاء الدوليين أن يضمُّوا صوتهم للولايات المتحدة في إدانة معاملة إيران لمواطنيها، وضرورة حماية حقوق الإنسان لكل إيراني.

إلّا أنّ البند الأول والثاني هو في عرف الدول "إعلان حرب" والولايات المتحدة لا تريد الدخول في حرب الآن مع إيران، هنا تبدأ الخطة الأمريكية الحقيقية في تغيير "سلوكيات النظام الإيراني" بالظهور، كيف ذلك؟

يتحوّل بومبيو ليلامس تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الإيراني "المحبط بشدة من إخفاقات حكومته" والتي أوصلته إلى الاحتجاجات العلنية في الأشهر القليلة الماضية، العمال لا يحصلون على رواتبهم، والريال يتدهور. وتبلغ نسبة بطالة الشباب 25 في المائة، أدى سوء إدارة الحكومة للموارد الطبيعية الإيرانية إلى موجات جفاف شديدة وأزمات بيئية أخرى كذلك.

النظام يحتفظ لنفسه بما يسرقه من الشعب، ومئات الملايين من الدولارات تنفق على العمليات العسكرية والجماعات الإرهابية في الخارج بينما يبكي الشعب الإيراني من أجل حياة بسيطة، ويبحث عن فرص للحرية. رد النظام الإيراني على الاحتجاجات لم يكشف إلا عن أن قيادة البلاد خائفة. تم سجن الآلاف بشكل تعسفي، وقتل العشرات على الأقل. كما يتبين من احتجاجات الحجاب، أن رجال النظام الوحشيين مرعوبون بشكل خاص من النساء الإيرانيات اللاتي يطالبن بحقوقهن، تستحق نساء إيران نفس الحريات التي يمتلكها رجال إيران.

يعلن بومبيو موقف بلاده النهائي من هذه القضايا: تقف الولايات المتحدة مع أولئك الذين يتوقون إلى التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، الذين يريدون الوصول إلى بلد فيه المزيد من الحرية، والإنصاف، وشفافية الحكومة.

كرر بومبيو كلمات الرئيس ترامب للشعب الإيراني: "نحن نقف في تضامن تام مع ضحايا النظام الإيراني الأطول معاناة لشعبه. لقد دفع المواطنون الإيرانيون ثمناً باهظاً لأعمال العنف والتطرف التي أطلقها قادتهم".

رغم رسالة مررها بومبيو لقادة إيران أن بإمكانهم أن يثقوا بأمريكا على غرار ما يحدث مع كوريا الشمالية، إلا أن هذه الرسالة حملت تهديداً صريحاً " بحملة ضغط مؤلمة تعكس التزام الولايات المتحدة بحلِّ هذا التحدّي إلى الأبد"، هذا سيدفع قادة إيران إلى الرفض، والمضيّ في التحدّي.

ما هي سلسلة الأحداث القادمة؟

"لا أستطيع وضع جدول زمني ولكن في نهاية المطاف، سيقرر الشعب الإيراني الجدول الزمني، في نهاية المطاف سيتحقق الشعب الإيراني من قيادته. إذا اتخذوا القرار بسرعة، فسيكون ذلك رائعًا. إذا اختاروا عدم القيام بذلك، فسوف نبذل جهدا كبيرا حتى نحقق النتائج التي حددتها اليوم"، كان هذا جواب بومبيو حول توقعاته لما سيحدث.

لكن الأمور ستسير هكذا: ستبدأ العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وتتسبب بانهيار العملة الإيرانية، وتدهور اقتصادي، يؤدي إلى ردِّ فعل شعبي جارف، وغليان في الشارع، يسارع الإعلام العالمي لتغطيته على مدار الساعة، وتتوالى مواقف التأييد الدولية لهذه الثورة الشعبية، وتحذير النظام من العنف الذي يواجهها به.

النظام الإيراني كالنظام السوري سيعتبر ذلك مؤامرة كونية ضده، ويعتبر المحتجّين السلميين إرهابيين خونة، ويرتكب ضدهم العديد من عمليات القتل، والاعتقال والتعذيب.

النظام الإيراني حين يشعر بالخطر بسبب امتداد الاحتجاجات على مساحات واسعة من البلاد، سيلجأ في سبيل الحفاظ على بقائه إلى إنزال الحرس الثوري في كل المدن الإيرانية، وحرب أهلية ستضرب قطاعات الإنتاج الخاص والعام في الدولة وخصوصاً قطاع النفط، وستجعل الاقتصاد منهكاً إلى أقصى حدٍّ، ومع قلة الموارد المالية والبشرية، ستضطر إيران إلى الانكماش في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وتسحب قواتها والميليشيات التابعة لها من هناك للقتال دفاعاً عن النظام داخل إيران.

هذا هو بيت القصيد في الخطة الأمريكية: تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وحفظ أمن إسرائيل، وطمأنة حلفاء أمريكا الخليجيين من التهديد الإيراني لهم.

إيران لن تجد أحداً إلى جانبها في هذه الأزمة، حلفاؤها جميعاً يعانون، العراق بحلّة جديدة بعد الانتخابات يقترب من أمريكا أكثر، والأسد صعوباته تزداد بفقدان الدعم الإيراني، هو يحتاجهم بقدر حاجتهم إليه، والحوثي في حالة شبيهة بالأسد، ونصر الله سينكفئ ليصالح اللبنانيين ضمن حكومة يتوافق عليها مع خصومه الحاليين، وبوتين لن يحرّك ساكناً مقابل هذا التسونامي العالي ضد إيران، سيكتفي بالشجب والتنديد، بالأصل علاقاته مع إيران لم تكن على ما يرام على الدوام.

الأزمة الإيرانية إذا اشتعلت ستأخذ عدة سنوات، تكون دول المنطقة وإسرائيل قد ارتاحت من التدخل الإيراني في شؤونها، وحروب الوكالة التي تخوضها هنا وهناك.

إسرائيل ستكسب عسكرياً من وضع إيران في مصافِّ الدول الضعيفة التي لا "تشكل تهديداً لها، وتضمها إلى قائمة الدول المنكوبة التي لن تقوم لها قائمة قبل سنوات طويلة.

الولايات المتحدة ستكون الرابح الأكبر، فترامب يكون قد عمل على "ضمان سلامة الشعب الأمريكي من المخاطر التي أوجدها قادة جمهورية إيران الإسلامية" والتي كانت سبب انسحاب ترامب من النووي، كما زعم بومبيو!!!