الجمعة 2020/11/13

حق تقرير المصير للشعب السوري في ظل مواثيق واتفاقيات الأمم المتحدة

"تملك جميع الشعوب حق تقرير مصيرها وتملك بمقتضى هذا الحق حرية تقرير مركزها السياسي وحرية تأمين نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي" كانت هذه المادة في كلا العهدين الدوليين اللذين أعدّتهما لجنة حقوق الإنسان، وأقرّتهما الجمعية العامة عام 1966، ليصبحا نافذي المفعول بشكل نهائي عام 1976كواحد من حقوق الإنسان الأساسية.

حق تقرير المصير حسب تعريف فقهاء القانون الدولي يعني " حق شعب ما في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظلّه والسيادة التي يريد الانتماء إليها" وينصرف في سبل تطبيقه نحو حق الشعوب الخاضعة للاستعمار وللانتداب في حق تقرير مصيرها في الحرية والاستقلال الكاملين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وأوجبت الأمم المتحدة في ميثاقها على جميع الدول الأعضاء احترام هذا الحق، وأن "تتخذ خطوات مرتبة لمنح الشعوب غير المستقلة استقلالها التام، وألا يتخذ أي سبب مهما كان ذريعة لتأخير ذلك؛ لأن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي إنما هو إنكار لحقوق الإنسان الأساسية ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ويعوق السلم والتعاون الدوليين".

هذا التعريف اليوم يختصّ في الحالة التي تكون فيها الشعوب خاضعة لسلطة أجنبية، وهو ما يمكن أن نسمّيه المفهوم الجديد لحق تقرير المصير، أمّا المفهوم الأول فقد نشأ قبل ظهور الدول الاستعمارية، وقبل تأسيس عصبة الأمم المتحدة بكثير، فهو في أصله نشأ كردّ فعل ثوريّ على مفهوم "الحقّ الإلهي" الذي قامت عليه أنظمة الحكم الملكية الأوربية في العصور الوسطى، حيث كانت الأرض والشعب يعدّان معاً ملكاً خاصاً للحاكم، وله أن يمارس سلطته عليهما معاً بصفته المالك الشرعيّ لهما، ولذا نرى أنّ الثورة الفرنسية لم تكن ضد حاكم أجنبي، بل كانت ضدّ الطبقة الحاكمة المستبدّة، وتهدف للوصول إلى حقّ الشعب في التمتع بالحرية ومقاومة الاضطهاد.

في كلتا حالتي حق الشعوب في تقرير مصيرها أمام سلطة أجنبية خارجية مستعمِرة، أو سلطة محلية داخلية مستبدّة، فإنّ لها أن تسلك في سبيل ذلك كل الوسائل الممكنة، ابتداء من وسائل الاستفتاء، والاقتراع العام التي تتم تحت رقابة وإشراف الأمم المتحدة، وفيما لو رفضت هذه السلطات الخارجية والداخلية تنفيذ هذه الوسائل، أو رفضت الانصياع والاعتراف بنتائجها، أو حاولت تزويرها، فإن من حق الشعوب أن تصل إلى حق تقرير مصيرها عبر الكفاح المسلّح، وهو ما فعلته شعوب كثيرة لنيل استقلالها، وهو في طبيعته الخارجية والداخلية لا يعتبر بحالٍ من الأحوال إرهاباً كما حاولت الدول الاستعمارية توصيفه، ولا كما تحاول النظم الاستبدادية مثل نظام الأسد تسويقه منذ عشر سنوات ضد الشعب السوري الذي طالب بحريته وكرامته وحقه في المشاركة في إدارة البلاد التي حرم منها على مدى خمسين عاماً مضت.

حق تقرير المصير الداخلي هو حق أغلبية الشعب ضمن الدولة التي يعيش فيها، في اختيار نوع نظام الحكم، وتشريعاته الدستورية والقانونية، وحقّه في إنشاء المؤسسات الوطنية بطريقة تتوافق ومصالح هذه الأغلبية، وهذا يتفق بلا شك مع مبادئ القانون الدولي في ممارسة السلطة، من هنا فإن حق تقرير المصير الداخلي لا يتضمّن حق الانفصال مثلاً للأقليات حين تشعر بنقص في حق من حقوقها، حيث يضمن لها القانون الدولي أن أن تصان جميع حقوقها عن طريق التزام الأغلبية دستورياً وقانونياً بذلك، وعبر تطبيق مبادئ احترام حقوق الإنسان.

بالعودة للحالة السورية، وفي ظلّ نظام مستبدّ محتكر للسلطة عنوة، ويرفض تداولها السلمي، ويفرض هيمنة الحزب الواحد، ويعطّل التعددية السياسية، ويستأثر بالمقدرات الاقتصادية والثروات والموارد الطبيعية، ويحرم منها أغلبية الشعب السوري، وفي ظلّ الجرائم والانتهاكات الواسعة التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري الذي طالب بالتغيير، وبالتداول السلمي للسلطة، فإنّ من حق هذا الشعب، ووفقاً لمبادئ حقوق الإنسان، ومبادئ القانون الدولي، وانسجاماً مع مواثيق الأمم المتحدة، أن يطالب بحقّ تقرير مصيره الداخلي بعيداً عن هذه السلطة المستبدّة، وعلى الأمم المتحدة أن تفعل ما هو واجب عليها في نزع الشرعية الدولية أوّلاً عن هذا النظام، والتوقّف عن الاعتراف به كممثل للشعب السوري، وأن تتخّذ قرارها ثانياً في منح الشعب السوري حقّ تقرير مصيره عبر استفتاء عام تنظّمه وتشرف عليه الأمم المتحدة، ويشمل جميع السوريين من النازحين والمهجرين قسرياً، إضافة إلى اللاجئين المنتشرين اليوم في عدد من دول العالم.

وفي ظلّ رفض النظام لجميع قرارات مجلس الأمن وعلى رأسها القرار 2254 القاضي بدعوة النظام للدخول في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، رغم مرور خمس سنوات على صدور هذا القرار، فإن المطالبة بحق تقرير المصير للشعب السوري من جانب المعارضة السورية، ستكون واحدة من البدائل المهمة، والمقاربات الجديدة التي يمكن طرحها للتوصل إلى حلٍّ ينهي معاناة الشعب السوري التي تتفاقم يوماً بعد يوم.