الجمعة 2018/07/20

ترامب ترك بوتين وحيداً في المستنقع السوري


الجسر للدراسات..


مشهد الكرة يتقاذفها الزعيمان الروسي والأمريكي تختصر المشهد السياسي كله في سوريا، ترامب بقي منسجماً مع سياسته الثابتة تجاه هذه القضية "سوريا مشكلة روسيّة" وعلى بوتين حلّها في جميع أبعادها، ما عدا قضية مكافحة الإرهاب المتعلّق بتنظيم الدولة، فهذه لها تأثير يتعدّى كونها جزءا من الحرب الأهلية كما يراها ترامب، وستتابع الولايات المتحدة قيادة التحالف الدولي في حربها على الإرهاب.

المشهد في سوريا رغم تعقيده الشديد، إلا أنه يُقرأ ببساطة من وجه آخر، اللاعبون على كثرتهم هم في فريقين واحد روسي وآخر أمريكي، والحكم إسرائيلي، والمؤسف في اللعبة كلها، أن الكرة التي يلعبون بها في هذه الساحة الدولية هي سوريا.

ترك ترامب لبوتين الحديث عن سوريا في المؤتمر الصحفي، ليخبر العالم بما سيحدث في الأيام القادمة على الصعيدين العسكري والسياسي، ففي الشقّ العسكري تحدث بوتين في نقطتين، وكلتاهما تخصّان أمن إسرائيل.

الأولى: " أنه بعد تحرير المنطقة الجنوبية في سوريا من الإرهاب يجب العودة لنظام وقف إطلاق النار في منطقة الجولان، وأن الوضع هناك يجب أن يعود إلى كما كان عليه وفق اتفاقية 1974، وأنه يجب تهيئة الظروف للعودة إلى القرار 338 للتسوية بين سوريا وإسرائيل بشكل عادل".

والثانية: أنه دعا " إلى استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب"، مؤكداً أنه "يجب أن نعيد مجموعة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب" هذه المجموعة التي أنشئت وسط عام 2016 بغرض "تمكين تنسيق موسع بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي بما يتيح توفير مجال جوي آمن للطيران" وتقيم مركزاً مشتركاً لها في محيط العاصمة الأردنية عمّان.

يسهل الاستنتاج هنا أن عملية اجتياح الجنوب السوري مستمرة إلى أن يعيد النظام انتشاره على الحدود الأردنية والإسرائيلية في محافظتي درعا والقنيطرة، وأنّ ما يجري هناك يجري بتنسيق عالٍ بين الولايات المتحدة وروسيا، وأنّ إسرائيل حصلت على الضمانات الكافية من الدولتين حول عودة الهدوء إلى حدودها الشمالية كما كان الأمر عليه قبل عام 2011، لذا سكتت عن اقتراب قوات النظام من حدودها رغم وجود مليشيات إيرانية بينها، فمهمة بوتين القادمة سحبهم بعيداً إلى العمق السوري، ومن ثَمّ تدريجياً نحو إيران.

في الشقّ السياسي كان الحديث أيضاً لبوتين: "نحن سوف نعمل وفي صيغة أستانا، أعني روسيا وتركيا وإيران، وحول هذا أبلغت اليوم أيضاً دونالد ترامب، ولكن نحن مستعدون لجمع هذه الجهود مع جهود ما يسمى بالمجموعة المصغّرة للدول، لكي يصبح للعملية طابعاً واسعاً، وليكون لدينا حظوظ أفضل لنجاح نهائي".

كلام بوتين تكرار لما اتفق عليه قبل أيام مع الرئيس الفرنسي ماكرون، وهذا يعني أنّ إجماعاً دولياً جديداً يظهر بديلاً عمّا حدث في مؤتمري فيينا 2015، اللذين مهّدا لصدور القرار 2254 في مجلس الأمن، وانعقدت على أساسه جولات جنيف السبع التالية، البديل الجديد مكوّن من تسع دول: الثلاث الضامنة لمسار أستانا وسوتشي، والمجموعة المصغّرة للدول الخمس: الولايات المتحدة، وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، وانضمّ إليها الآن ألمانيا ومصر، هذه الدول التسع سترسم الحل النهائي في سوريا، استناداً إلى نتائج مؤتمر سوتشي الذي أنتج العمل على تشكيل اللجنة الدستورية، و"لا ورقة" الدول الخمس التي تضع ملامح العملية الانتخابية، بحيث تشكّلان معاً العملية الانتقالية في سوريا عبر تغيير دستوري يتبعه انتخابات لا تمنع بشار الأسد من الترشّح لها والفوز فيها، إن لم نقل إن مسوّدة الدستور الروسي تضمن هذا بشكل مؤكّد.

ما هو مصير مسار جنيف؟

مسار جنيف المبني على بيان جنيف 2012، وقرارات مجلس الأمن وخصوصاً 2118، و2254، والتي تشير إلى "هيئة حكم انتقالية"، هذا المسار طواه النسيان، تغيّرت أشياء كثيرة منذ صدور هذه القرارات، الشيء الوحيد الذي سيعود إلى مجلس الأمن هو نتائج المسار الجديد المدمج بين "أستانا سوتشي واللاورقة"، ولذا فمن المتوقّع مشاركة إن لم تكن كثيفة، فستكون بمستوى أعلى بكثير مما جرى في جولات أستانا التسع السابقة، من طرف الأمم المتحدة ومن طرف الدول التسع صاحبة المسار الثاني، ومن نافلة القول أنّ كلاًّ من النظام والمعارضة سيشاركان وبمستوى وفود أعلى فيما سيأتي من جولات يُسمح لهم بحضورها.

الجزء الثالث المعلن كان حول مصالح البلدين في مسائل الطاقة، وخطوط نقلها عبر المنطقة، بما يضمن عدم هيمنة الولايات المتحدة المطلقة على المنطقة، وعدم قطع الطريق على خطوط نقل الطاقة الروسية التي تتيح بقاء الدولتين على رأس منتجي الطاقة في العالم، كما جاء في مؤتمرهم الصحفي.

ما لم يعلن عنه، هو المطالب الروسية لتمكين موسكو من تلبية شروط ترامب في قضايا تحجيم نفوذ إيران، ومنعها من إقامة الممر البري بين طهران ولبنان.

مطالب روسيا:

أولاً: طلب بوتين تنفيذ ترامب لتعهداته بالانسحاب من سوريا، وبشكل محدد من قاعدة التنف قرب المثلث السوري الأردني العراقي، ومن المنطقة الشرقية التي تنتشر فيها المليشيات الكردية، مع معالجة استيعاب هذه المليشيات في إدارة مدنية تابعة "للحكومة المركزية" في دمشق.

ثانياً: طلب بوتين السماح لروسيا باجتياح إدلب على غرار الجنوب، واستئصال "جبهة النصرة"، وفصائل وعناصر الجيش الحر "المتشددين" الذين رفضوا التسويات والمصالحة مع النظام في باقي المناطق التي غادروها عقب التدخل الروسي عام 2015.

كيف تسير الأمور الآن؟

وصلت رسالة أمريكية إلى "جيش مغاوير الثورة" تأمره بمغادرة قاعدة التنف والتوجّه شرقاً، ووضع أنفسهم تحت إمرة المليشيات الكردية.

الرسالة وصلت أسماعها إلى النازحين المنتشرين قرب المنطقة وفي مخيّم الركبان، ما سبّب الذعر بينهم، فهذا يعني قرب مجيء قوات النظام إليهم، وهم كحال أهل درعا لن تفتح لهم الأردن أبوابها للعبور والهروب من جحيم العودة تحت سلطة النظام، وخوفهم من حدوث تصفيات ومجازر واسعة لهم كونهم يمثّلون عوائل المقاتلين الذين قاتلوا النظام على جبهات عديدة. هذا يفسّر بيان قائد "جيش المغاوير" الذي ينفي قرب انسحابهم، لكنه لن يلبث أن يعترف بحقيقة تخلّي الأمريكيين عنهم كما حدث في الجنوب، وطردهم من قاعدة التنف.

المليشيات الكردية أيضاً تلقّت رسائل قرب انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة الشرقية، وتخلّيها عن حلفائها الأكراد، وهذا يفسّر التغيير الكبير الحاصل في سلوكياتهم بمناطق انتشارهم، وفي بياناتهم التي تنفي معاداتهم للنظام، أو قتالهم لقواته، بل هم "حليف للنظام في حربه على الإرهاب" كما يقولون، وهذا تمهيد لقبولهم باستيعاب مليشياتهم في الإدارة الجديدة التي سيعيّنها النظام في المنطقة. وهم أعلنوا بالأمس على لسان ممثلهم السياسي "مجلس سوريا الديمقراطية" قبولهم بدء الحوار مع النظام حول الترتيبات المستقبلية.

على جبهة إدلب بدأ إخلاء بلدتي كفريا والفوعة الشيعيّتين، وهذا دلالة واضحة جداً على قرب الاجتياح القادم لمحافظة إدلب، وكون إدلب مشمولة باتفاق خفض التصعيد لن يؤخّر هذا الاجتياح، فمناطق انتشار الإرهاب "تنظيم الدولة والنصرة" مستثناة أصلاً من اتفاق خفض التصعيد، ومن الناحية الواقعية لا يملك الجيش الحر القدرة على قتال النصرة وإخراجها من إدلب لسحب الذريعة من اجتياح المنطقة.

وتحسّباً لوقوع موجات نزوح بشرية هائلة من إدلب باتجاه الحدود التركية فقد تمّ الإشارة في المؤتمر الصحفي إلى الحاجة لمناطق آمنة محاذية للحدود الشمالية، وقد يتم ذلك كشريط ضيق جداً للتخفيف عن تركيا، وتجميع النازحين في هذا الشريط بشكل مؤقت إلى حين انتهاء المعارك.

إذن بهذا الاتفاق صارت الكرة السورية في الملعب الروسي بشكل كامل كما خطّط ترامب، يحتاج ترامب إلى اعتراف بوتين بذلك: "إن الرئيس الأمريكي يقول إن كرة سوريا في الملعب الروسي وأنا الآن عليّ أن أهديه هذه الكرة، الكرة الآن في ملعبكم سيادة الرئيس" المراوغة مع ترامب لا تنفع، والعبارة تعبّر بشكل دقيق عن الغباء الروسي، الكرة السورية خلال ثوانٍ معدودة نزلت عن الطاولة، ما قام به بوتين "لعبة أولاد".. لقد تركه ترامب في المستنقع السوري.