السبت 2019/03/02

تداعيات تصنيف الجناح السياسي لـ”حزب الله” على وضعه في سوريا


الجسر للدراسات...


"لم يعد باستطاعتنا التمييز بين جناحه العسكري المحظور بالفعل والجناح السياسي".  بهذه الكلمات أعلن وزير الداخلية البريطاني "ساجد جاويد" قرار الحكومة البريطانية في تصنيف الجناح السياسي لحزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية. أضاف وزير الخارجية "جيريمي هنت": "من الواضح عدم وجود فرق بين الجناحين العسكري والسياسي لحزب الله".

نشأة حزب الله في جنوب لبنان ترافقت مع وصول الخميني للحكم في إيران عام 1979، ويهدف كما جاء على لسان أمينه العام "حسن نصر الله" إلى "إقامة الجمهورية الإسلامية في لبنان، لتكون جزءاً من "الجمهورية الإسلامية الكبرى"، التي قامت إثر "الثورة الإيرانية الإسلامية"، والتي يحكمها "صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه"، وجاء في بيان للحزب صادر عام 1985 أنه "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسّد في ولاية الفقيه".

كانت كل من الولايات المتحدة وكندا وهولندا إضافة إلى تل أبيب تعتبر الحزب بكامله منظمة إرهابية، أما أستراليا فكانت تصنّف فقط "منظمة الأمن الخارجي" للحزب منظمة إرهابية، فيما كانت بريطانيا تصنّف فيما سبق حسب موقع وزارة الداخلية فيها "الجناح العسكري للحزب" ضمن قائمة الجماعات الإرهابية المحظورة.

بدأ حضور الحزب في الحياة السياسية اللبنانية عام 1990 بعد توقيع اتفاق الطائف، الذي كان لنظام حافظ الأسد الدور الأكبر فيه، حيث كان هو الحاكم الفعلي في لبنان، ومع الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 تصاعد دور الجناح السياسي للحزب بشكل كبير جداً حتى بات يسيطر تقريبا على قرار الحكومة اللبنانية، وهو ما دعا معظم دول العالم للتعامل معه كأمر واقع باعتباره جزءا من الدولة اللبنانية، وكان الحزب في كل استحقاق لتشكيل الحكومة اللبنانية، أو اختيار الرئيس، أو انتخابات لمجلس النواب، يعمل على ابتزاز المجتمع الدولي، ويحاول ترميم، أو تحسين علاقاته مع بعض الدول لتمرير تلك الاستحقاقات. على سبيل المثال اضطُر الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لاستقبال نائب الأمين العام للحزب "نعيم قاسم" عام 2006، أثناء أزمة تشكيل الحكومة، واضطرت قطر للقيام بوساطة عام 2008 لحل أزمة شبيهة بتشكيل الحكومة، ورئاسة الجمهورية.

ردود الفعل الصادرة عن حزب الله وحلفائه في الحكومة اللبنانية قلّلت كثيراً من أهمية القرار البريطاني، ونفت أي آثار سلبية له، إن كان على الحزب بشكل خاص، أو على وضع الحكومة بشكل عام، وأنها "ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها الحزب لمثل هذا الإجراء"، لكن في الحقيقة هذه المرة ستكون مختلفة، تداعيات القرار ستطال الحكومة اللبنانية مباشرة، فالحزب يسيطر على 70 مقعداً من 128 في مجلس النواب، وعلى ثلاث وزارات مهمة، والتصنيف يعني أن عدداً كبيراً من أعضاء الحكومة اللبنانية سيدرج على قوائم الإرهاب، ما سيرتّب على ذلك إجراءات مالية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية على الحكومة بكاملها قبل الحزب، وهو ما فهمته فرنسا وعبّرت عنه في تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "باريس تعد الجناح العسكري لـ"حزب الله" تنظيما إرهابيا، لكنها تتحاور مع الجناح السياسي الممثل في البرلمان". وحدد الرئيس الفرنسي المشكلة بشكل أدقّ بأنّه "لا يمكن أن نضع أي حزب لبناني ممثل سياسياً في الحكومة اللبنانية على لائحة الإرهاب". ومع أن بريطانيا وحدها الآن تقود هذا الملف أوروبياً، لكن الموضوع سيتصاعد وستجد العديد من الدول الأوروبية حرجاً في التعامل مع الحكومة اللبنانية بعد هذا التصنيف.

الوجه الآخر للتصنيف يتعلّق بوضع الحزب وحليفيه إيران ونظام الأسد، فالحزب خسر معظم شبكات الجريمة المنظمة التي يديرها في عالم تجارة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر، فالأمور تغيرّت في أمريكا الجنوبية مسرح أعمال الحزب الإجرامية وأحد أهم مصادر موارده المالية، وكان آخرها أحداث فنزويلا، فنائب الرئيس الفنزويلي "العيسمي" رجل حزب الله هناك، مهدد بفقدان منصبه ونفوذه، وهناك شخصيات مثله تقبع اليوم في السجون، أو مدرجة على قوائم العقوبات الدولية بتهم تمويل الإرهاب، كذلك يجد نظام طهران نفسه محاصراً بعد أن شددت الولايات المتحدة الخناق عليه في العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أخيراً، ودعت باقي الدول للالتزام بها في مؤتمر وارسو الذي انعقد لضرب النظام الإيراني تحديداً، ولتقليل مفعول الإجراءات الأوروبية للالتفاف حول هذه العقوبات واستمرار التعامل مع نظام طهران، هنا يفقد الحزب ما يقارب مليار دولار كان يحصل عليها من طهران في محاولة منها لمنع انهيار الاقتصاد الإيراني، ولتفادي النقمة الشعبية بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها الإيرانيون، وسط اتهامات للمؤسسات الدينية والحرس الثوري بتبديد هذه الأموال في مشاريع خارجية تنعكس سلباً على الدولية الإيرانية ككل.

الحليف الثاني: نظام دمشق المنهار اقتصادياً بعد سنوات الحرب الطويلة التي أنهكته، يجد الأبواب مغلقة في وجهه في محاولة الحصول على أموال "إعادة الإعمار" التي كان يمنّي نفسه بها، والتي ترافق الحديث عنها مع انفتاح عربي عليه من طرف بعض دول الخليج "الغنية" وزيارة وفد من رجال أعمال النظام للإمارات لاستئناف العلاقات العربية مع النظام، وإعادة تأهيله مالياً وسياسياً بدعوته لاجتماع الجامعة العربية نهاية هذا الشهر.

حزب الله الذي أراد تعويض خسائره هذه من خلال الدفع بتشكيل الحكومة اللبنانية والاستيلاء على أموالها، قد يكون دخل في رهان خاسر على حكومة خالية الوفاض لن يجد في خزائنها أموالاً تكفي لتغطية نفقات الحرب التي يخوضها إلى جانب الأسد، وسيجد نفسه بين خيارين لا ثالث لهما، فهو بين أن يستثمر موارده المالية الضئيلة الآن في المحافظة على قواعده الشعبية، ومكاسبه التي حققها في السنوات الأربعين الماضية للوصول إلى الانفراد بالسيطرة على الحكومة اللبنانية، أو أن يستمر في تبديدها على تدخله العسكري لحماية نظام الأسد الذي بدأ يتضّح أنه لا أمل له في استعادته حكم البلاد، وأن خروجه من السلطة مسألة وقت لا أكثر يستنزف فيه الحزب نفسه مالياً وبشرياً، ما يعرّضه للخسارة الفادحة في كل من سوريا ولبنان على حد سواء.

حزب الله في هذه المعادلة سيضحّي بنظام الأسد ليحافظ على وجوده في السلطة في لبنان، ولا بدّ أنه يعيد الآن حسابات سحب عناصره من سوريا، لتخفيض هذا الإنفاق العسكري المهدور، ولإعادة أذرعه العسكرية لتمارس إرهابها على اللبنانيين مع اقتراب تحول الدولة اللبنانية إلى دولة فاشلة، يصادر قرارها حزب إرهابي يتبوأ أعلى مواقع السلطة في البلاد.