الأربعاء 2020/01/22

“تحنيط” سوريا..سياسة ترامب حتى إشعار آخر

مركز الجسر للدراسات..


"تحنيط سوريا" بهذا العنوان يصف واحد من مراكز الأبحاث الأمريكية سياسة إدارة ترامب في سوريا.

التغيّرات التي طرأت على الخارطة السورية كبيرة جداً على مدى الحرب الدائرة هناك منذ عام 2011، لكن لا تزال مناطق واسعة يفشل النظام في استعادة السيطرة عليها عسكرياُ، كما يفشل في في تهدئة النقمة المتزايدة عليه في المناطق الخاضعة لسيطرته، سواء في المناطق الموالية له بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردّية، والمترافقة مع انهيار سعر صرف الليرة السورية، وتشديد العقوبات المفروضة عليه، أو في مناطق المصالحات التي تشهد العديد من الأحداث التي تنبّئ بعدم استقرارها، وإمكانية خروجها من جديد عن سيطرة النظام.

التغيّرات التي طرأت على الخارطة السياسية الدولية تجاه سوريا كذلك كانت كبيرة، لكن العنوان الرئيسي للسياسة يتمثّل بالفشل الذريع للحل السياسي والعملية التفاوضية سواء على المسار الأممي في جنيف وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، أو مسار أستانا، وأوراق المجموعة المصغّرة للدول السبع، ويعتبر الجمود الحاصل الآن في أعمال اللجنة الدستورية، وانهيار اتفاق الهدنة الذي أعلن عنه الرئيسان التركي والروسي، مثالا واضحا عن استبعاد التوصّل إلى تسوية سياسية قريباً.

بالتركيز على سياسة الإدارة الأمريكية فقد تغيّرت هي الأخرى في ظلِّ حكم كلٍّ من الرئيسين أوباما وترامب، وحتى في ظلِّ حكم كلِّ واحد منهما، لكن يمكن القول بشكل ما، إنه جمعها استراتيجية "لا غالب ولا مغلوب" في سوريا، لذا عندما كان يقدّم الدعم العسكري للمقاتلين المعارضين، كان يقدّم بالحدّ الذي تواصل فيه الضغط على النظام لكن لا تؤدّي إلى انهياره، صرّح بهذه الاستراتيجية في عهد أوباما، مدير إدارة الاستخبارات المركزية جون برينان خلال السنة الأخيرة للإدارة بالقول: "لا نريد أن تنهار الحكومة السورية. هذا هو آخر شيء نريد القيام به".

بالمثل صرّح وزير الخارجية آنذاك جون كيري حول "الحاجة إلى منع البلاد من الانهيار والتأثير السلبي على كل الجوار"، انفجار البلاد بالفوضى، وانتشار التطرف والإرهاب، كانا سبب التردد الأمريكي بين الإطاحة بالأسد أو تهذيب سلوكه، لذا كان "الجمود" هو الاستراتيجية التي ورثتها إدارة ترامب عن سابقتها.

تقلّبات إدارة ترامب وصلت إلى حد الإعلان عن قرار سحب الجنود الأمريكيين من سوريا، لكنها عادت إلى "إرث أوباما"، مكافحة الإرهاب، ومنع انتشاره، وتحجيم نفوذ إيران، وحفظ أمن دول الجوار، وتوازن المصالح الأمريكية الروسية في المنطقة، والعزل السياسي للنظام ومنع التطبيع معه، وتشديد الضغط الاقتصادي عليه، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، وتحقيق عملية انتقال سياسي في البلاد. مجموعة أهداف متناقضة في ظلّ تصاعد الخلافات مع إيران حول ملفها النووي، وتداعيات مقتل سليماني، والخلافات مع تركيا حول وجود مليشيات "ب ي د" على حدودها، كل هذه القضايا العالقة تجعل الطريق مسدوداً تقريباً في وجه إدارة ترامب، وتعيدها إلى ما يشبه نقطة الصفر التي ورثتها، وإلى التعامل مع الملف السوري بما يصفه السفير الأمريكي جيمس جيفري بالتعامل مع "الدولة الجثّة" التي لا هي نظام حيٌّ قادر على استعادة السيطرة على جميع أراضيه، ولا هي نظام ميّتٌ يشكّل موته فراغاً يتسبّب بفوضى في المنطقة.

إذن "تحنيط سوريا" هو ما يمكن أن توصف به " الرؤية التوجيهية لاستراتيجية إدارة ترامب في سوريا" إبقاء البلد مفككاً، تتوازعه قوى متعددة، في الشمال الشرقي، والشمال الغربي، والجنوب، إلى أن يحين أوان الحل النهائي، والانتقال السياسي، حسب قرارات الأمم المتحدة.

وبغضّ النظر عن كون هذه الاستراتيجية الحالية ستؤدي إلى الحل أم لا؟ أو كونها ستستبدل باستراتيجية أخرى مع إدارة ترامب أو مع إدارة أمريكية جديدة حال فشله في الانتخابات القادمة، فإنّ الثابت الوحيد في ظلّ هذا العجز الدولي، أن الحرب ستستمر، وستتزايد معها معاناة الشعب السوري.