السبت 2019/08/31

الموت في إدلب يشبه الموت في مكان آخر!

أستانا ما كانت إلّا محطات موت، توقّف قطار الموت على رصيفها ثلاث عشرة مرة، ليحمل كل مرة في طريقه آلاف الضحايا بين جريح وقتيل ومعتقل، ومهجّر قسريّاً من مناطق كان يُفترض أنها مناطق خفض تصعيد للقتال، لكن انتهى بها الأمر أن سقطت بيد النظام بعد حصار وتدمير لحق بها، وتوزّع المقاتلون الّذين وقّعوا اتفاقاتها بين من قبل بالمصالحة مع النظام، وبقي في مكانه، وبين من رفضها ليركب الباصات الخضراء نازحاً نحو الشمال في إدلب ومحيطها.

"عناصر المصالحات" كما يروق للنظام أن يسمّيهم، عاد معظمهم للقتال لكن على الطرف الآخر من جبهات إدلب، زجّ بهم النظام ليقاتلوا من كانوا يقاتلون معهم، وهم اليوم يموتون في إدلب بموتٍ يشبه الموت الذين كانوا سيموتونه في ريف دمشق، أو حمص، أو درعا، لكنه ليس الموت الذين كانوا يرغبون به حين كانوا يقاتلون النظام.

أستانا 23-24 كانون الثاني/يناير 2017 تواصل الهجوم العنيف المستمر منذ 34 يوماً مضت على قرى وادي بردى، ومنطقة نبع عين الفيجة في ريف دمشق، وسيطرة على قرى في ريف حلب الشرقي، وغارات روسية على ريف دير الزور، وسقوط ما يزيد عن مئة قتيل خلال يومي انعقاد أستانا 1.

أستانا 2/16 شباط/فبراير 2017 كانت قرى وادي بردى قد سقطت، وهاجرها الآلاف من أهلها، وما إن غادر وفد أستانا حتى بدأ هجوم النظام على أحياء دمشق الشرقية برزة، تشرين، والقابون، إضافة للاعتداءات المستمرة على مدن وبلدات الغوطة الشرقية وريفي حلب وإدلب.

أستانا 3/15 آذار/مارس 2017 غابت المعارضة عن هذه الجولة بسبب تشريد أهالي حي الوعر في حمص، وعدم التزام النظام باتفاق وقف إطلاق النار.

أستانا 4/3-4 أيار/مايو 2017 التي تمّ فيها توقيع اتفاق مناطق "تخفيف التوتّر" الأربع، ورافقها انسحاب وفد أستانا في الجلسة الأولى-احتجاجاً على القصف المستمر كالعادة-ليعود وينسحب في اليوم الثاني من الجلسة الختامية ويعلن أنه ليس طرفاً في هذا الاتفاق.

أستانا 5/4-5 تموز/يوليو 2017 قاطع الجولة جيش الإسلام، وفيلق الرحمن "بسبب استمرار النظام والطائرات الحربية الروسية والمليشيات الإيرانية بارتكاب "المجازر" في محافظة درعا، وغوطة دمشق الشرقية، جنوبي سوريا، وسط محاولات لاقتحامهما" حسب المتحدث باسم الفيلق.

وهكذا سارت الأمور في المحطات التالية لتسقط مناطق "تخفيف التوتّر" واحدة تلو الأخرى، وليزداد معها القتل والتدمير والتهجير، رغم مواظبة وفد أستانا على الذهاب والمشاركة في واجب أشبه بالذهاب إلى جنازة لدفن الأموات، أو لتقديم التعازي بهم. وما كاد حبر أستانا 13 يجفُّ حتى كان النظام والروس على أعتاب مدينة إدلب، بعد اجتياحهم البري لمعظم ريف حماة.

كان مفهوماً خروج المدنيين العزّل، خصوصاً الأطفال والنساء والشيوخ فراراً من المعارك، ومن الموت، لكن هل فعل المقاتلون ذلك أيضاً فراراً من المعارك، ومن الموت، الجواب: لا، الذين خرجوا بالباصات مع المدنيين اشترطوا خروجهم بسلاحهم، تحقّق ذلك أم لا، لكنه كان يعني إرادتهم للقتال في المكان الذي سيصلون إليه، وهنا نقطة تركيز الأمر، هل كانوا يتوقّعون سلوكاً مغايراً للنظام وحلفائه عمّا فعلوه في المناطق التي تركوها؟ أم سلوكاً مغايراً من المجتمع الدولي حيال جرائم الحرب المرتكبة؟ أم كانوا يأملون مزيداً من الدعم والتسليح يمكن أن يحصلوا عليه؟ كل هذا لم يحصل، بقيت الأمور على ما كانت عليه، والأمر الوحيد الذي تغيّر، أو بالأحرى فقدوه وزادهم ضعفاً، هو تحوّلهم إلى بيئة غريبة عليهم، ليس لهم خبرة قتالية فيها، ابن الغوطة حين يقاتل بين بساتينها ودروبها، وابن درعا حين يقاتل في اللجاة، ليس بنفس القوة حين يقاتل في الشمال، ومثلهم أبناء القنيطرة وحمص وحماة، جميعهم فقدوا هذه الميزة، إضافة لابتعادهم الشاسع جداً عن الدائرة الموجعة للنظام في محيط العاصمة دمشق.

سيستمر المقاتلون "المهجّرون" في القتال، لكن القتال في الجنوب ليس كالقتال في الشمال، فقط الموت في الجنوب يشبه الموت في الشمال.