الأثنين 2020/06/15

المعارضة السورية وخيارات “فريدريك هوف”!

في مقاله "أيّتها المعارضة السّوريّة: انتقلي، أو حلّي نفسكِ، أو صيري لغيركِ تَبَعَاً" أصاب السفير الأمريكي "فريدريك سي هوف" في مسألة جوهرية حول القضية التي تعرّض لها بقوله " إنّ المعارضة السّوريّة الخارجيّة لم تكن تستحقّ يوماً الاستحقار والاستهزاء الذي يصبّه الأجانب عليها صبّاً سعياً منهم لتغطية فشلهم هُمْ".

المجتمع الدولي ممثلاً بعدة أطراف مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس الأمن، حلف الناتو، الجامعة العربية، منظمة التعاون الإسلامي، جميعها كان لديها خيارات أفضل لحماية الشعب السوري، ووقف جرائم نظام الأسد، وتحقيق انتقال سياسي حقيقي في البلاد، سواء كانت الخيارات بقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع النظام، وإغلاق سفاراته، وطرد سفرائه من هذه المنظمات والدول المشتركة فيها، ورفع الغطاء الشرعي والقانوني عنه، أو قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية معه، وفرض عقوبات شديدة على المتعاملين معه كما هو الحال في قانون قيصر الذي كان يمكن تطبيقه منذ عام 2014 أول ظهور هذا الملف، أو باستخدام الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن الذي يتيح التدخل العسكري ضد النظام، وخصوصا بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين، وارتكابه عدداً المجازر، وجرائم الإبادة الجماعية.

بدايةً المعارضة السورية لم تكن خارجية، بل حاولت عقد اجتماع لها في دمشق في بداية الثورة، لكن النظام ضرب هنا أيضاً بيد من حديد، كما فعل مع المحتجين السلميين في الشوارع، ولم يكن لها أرض خارجة عن سيطرة النظام لتنتقل إليها، وتحافظ على بقائها داخل البلاد، لذا اضطر قسم منها للخروج وتشكيل المجلس الوطني السوري خارج الحدود.

تالياً مع تشكيل الائتلاف الوطني، وبعده هيئة التفاوض واستقرار كل منهما في اسطنبول والرياض، لم يكن مقر المعارضة يفرض عليها تلك التبعية أو التأثير، في القرارات الحاسمة التي كان عليها اتخاذها، والأمثلة على ذلك تطول، ولذا تكمن هنا المغالطة في مقالة السفير هوف حين سأل المعارضة "الخارجية" في أنها " هل ستكون مكوّناتها الرّئيسيّة مُجبرةً على أن تعمل كأذرع للسياسات والأولويّات السّعوديّة والتّركيّة؟ وهل سيكون بوسعها أن تخدم مصالح وأولويّات قاطني سوريّة في الدّاخل ولاجئيها في الخارج من الرّياض واسطنبول؟" وافترض خياراً واحداً سيأتي من هيئة التفاوض والائتلاف هو " أنّ الجواب هو لا في ظلّ الظّروف الحاليّة، وبأنّه لن يكون بمقدورهم أن يعملوا كمجموعات مستقلّة مهمّتها خدمة السّوريّين" ثم أردف أنه "ستصبح الخيارات المتاحة لهم حينئذ واضحة: إمّا أن يحلّوا أنفسهم، أو أن ينتقلوا إلى مكان آخر، أو أن يصيروا تبعاً لغيرهم يأتمرون بأمرهم".

السفير يعلم جيداً أن الأمور لا تجري هكذا "في ظل الظروف الحالية" على الأقل حسب قوله، وأن هامش حرية القرارات أكبر بكثير مما يصوّره في مقاله، والمثال الأقرب عجز الرياض عن إحداث تغيير في بنية هيئة التفاوض، رغم عقدها لمؤتمر للمستقلين، ومحاولتها استبدال ثمانية أعضاء بآخرين، لم توافق عليهم هيئة التفاوض.

رغم مدح السفير للمعارضة السورية في مواضع من مقاله إلا أنه يسيء إليها إساءات شديدة في مواضع أخرى، حين يقول أن التشرذم أوصلها إلى "الحال الذي يعكس إلى حدّ ما رغبات وإملاءات القوى الإقليميّة التي أعطتها ملجأً تلوذ إليه أو مالاً تنفقه" وحين يقول أن بقاءها قريباً من الجوار السوري "سُمٌّ عاقبته التّبعيّة والعَالَةُ اللذان يُسبّبهما الأسْرُ".

مقر المعارضة لم يكن أبداً هو المشكلة الرئيسية، لكن وإن كان لابدّ من تغييره لسبب ما فهو إلى داخل البلاد، وليس الذهاب بعيداً عن الجوار، إلى أوربا الغربية كما يقترح السفير هوف، منظمة التحرير الفلسطينية فقدت الكثير عندما غادرت بيروت إلى تونس، والمعارضة السورية موجودة أساساً داخل البلاد فهناك الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية والجيش الوطني، وكذلك الائتلاف الذي نقل جزءاً من مقره في تركيا إلى ريف حلب الشمالي،

المشكلة الرئيسية التي تواجه المعارضة يتحمل الجزء الأكبر منها الأمم المتحدة باعتمادها بيان جنيف 2012 أساساً للحل السياسي، وتسرّب ذلك البيان إلى قرارات مجلس الأمن، رغم أن البيان وضع معادلة شبه مستحيلة الحل تسببت بهذا الاستعصاء السياسي طيلة السنوات الماضية.

المعادلة التي وضعها بيان جنيف تقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالية " تضم أعضاء من الحكومة و المعارضة الحاليتين و من المجموعات الأخرى، و يجب أن تشكل على أساس الموافقة المتبادلة" هذه المعادلة تكاد تكون غير قابلة للحل، عجز عن فكّها كل المبعوثين الأمميين، وهي لو تمّ حلّها فستعني استمرار مجرمي النظام في حكم البلاد، وهي بدورها تصوّر المعارضة كطالب للسلطة وتقبل أن تكون شريكا لنظام الأسد في حكمه.

المعادلة الصحيحة تبدأ باستبعاد رموز القتل والإجرام في النظام من الشخصيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية، وعلى رأسهم بشار الأسد، وكبار قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية ، ثم يتم العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعيد هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتعيد صياغة الدستور، وتمهد لانتخابات حرة ونزيهة.

الجزء الثاني من المشكلة يتمثّل في عدم الاعتراف بالحكم الذي أقامته المعارضة الوطنية في الشمال السوري، بل وصل الأمر إلى رفض دعم هذا الحكم، أو دعم بعض المؤسسات التابعة له على أنها منظمات مجتمع مدني، وليس كمؤسسات حكومية قادرة على تنفيذ برنامج تنمية وإعادة استقرار أو إعمار في المنطقة، وكان هذا لو تمّ كافياً لنقل المعارضة من المنفى إلى الداخل، وفتح الباب لعودة كثير من اللاجئين السوريين، وتقديم ملاذ آمن لكل من يريد الخروج من سلطة النظام.

إذن الخيارات الثلاثة التي طرحها السفير هوف غير واقعية، ما معنى أن تحلّ المعارضة نفسها؟ لا بدّ من ممثل ومفاوض عن الشعب السوري، والانتقال إلى أوربا انتحار سياسي، وموضوع التبعية أمر يبالغ فيه جدا السفير هوف، هذا إذا لم نستبعد النوايا السيئة لمثل هذه الطروحات.

خلاصة القول أنه يجب على المعارضة أولاً تقديم مصالح الشعب السوري على أي مصلحة مشتركة مع أي طرف آخر، وخاصة إذا تعارضت هذه المصالح في مواضع ما، هذه أبسط قواعد العمل السياسي التي ستتفهمها تلك الأطراف، كما أنّ عليها تحسين أداء مؤسساتها المدنية والعسكرية العاملة في المناطق المحررة.

ومن جانب آخر يجب على المجتمع الدولي إعادة النظر في طريقة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، كما أن عليه الاعتراف العاجل بالحكم الذي أنشأته المعارضة للأسباب التي مرّت قبل قليل، كما أنه سيشكّل عامل ضغط على النظام بساعد في عملية الانتقال السياسي على كامل مساحة البلاد.