الأثنين 2019/05/06

المبعوث الأممي إلى سوريا بيدرسن.. ينسج خيوط الريح

على خطا سلفه السويدي "ستافان دي مستورا" يسير المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا النرويجي "جير بيدرسن" في تقديم إحاطات طويلة مملّة، مكرورة، فارغة من المحتوى أمام مجلس الأمن الدولي.

ثمانية أسابيع فصلت بين الإحاطة الثانية للمبعوث في 30 نيسان/أبريل 2019، عن الإحاطة الأولى 28 شباط/فبراير، والتي كانت بدورها بعد ثمانية أسابع من استلامه مهمته، ويبدو أننا أمام متوالية ثُمانيّة من الإحاطات، بعد سنوات ثماني من معضلة عجزت الأمم المتحدة، ومجلس الأمن عن إيجاد حل لها، بل عن تحقيق أي تقدّم يُذكر فيها.

إرثٌ بسيطٌ جداً وجده المبعوث الجديد في تركة أسلافه، هو عبارة عن ورقة المبادئ الإثني عشر التي وضعها دي مستورا في جولة جنيف الثامنة أواخر عام 2017، وتم اعتمادها في البيان الختامي لمؤتمر سوتشي مطلع عام 2018.

ما الجديد الذي يظنّ بيدرسن أنه يأتي به؟!

"المنتدى المشترك" هذا هو المصطلح الجديد الذي كرره في كلتا إحاطتيه، في إحاطة شباط/فبراير قال: "إن أردنا أن نرى كيف يمكن حل المسائل وكيف يمكننا مساعدة الأطراف على التحرك في عملية يقودها ويمتلكها السوريون، فسنكون بحاجة إلى منتدى مشترك تتناقش فيه الدول الرئيسية بجدية حول هذه القضايا"، وأكّد هذا في إحاطة نيسان/أبريل بتمهيد أوسع قليلاً في محاولة منه لإقناع الأطراف المقصودة للانخراط في هذا المنتدى بقوله: "ما زلت مقتنعاً بأن اللاعبين الدوليين الرئيسيين متفقون أكثر مما يبدو عليه الأمر. وأعتقد أن جميعهم يعون الحاجة إلى التعاون الدولي في سوريا. وسأستمر في استخدام مساعيّ الحميدة لمساعدة اللاعبين الرئيسيين ذوي التأثير للانضمام إلى محادثة واحدة نشطة لتقديم دعم مشترك لعملية سياسية يقودها ويمتلكها السوريون بإشراف من الأمم المتحدة. بينما نقترب من الاتفاق على اللجنة الدستورية، أريد أن أغتنم هذه الفرصة لرؤية تعاون دولي نشط وواسع. ولتحقيق تفويضي، يجب تأسيس منتدى مشترك لدعم عملية جنيف".

هل اكتشف بيدرسن بهذه السرعة أنه لا حلّ عبر مجلس الأمن وقراراته الكثيرة المبعثرة والمتعثّرة تبعثر وتعثّر خطواته؟ أم إنّه كان يبيّت هذه الاستراتيجية قبيل استلام عمله استناداً لتجربة أسلافه؟

الأول أرجح، فبيدرسن كان قد تبجّح في إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن بخبرته الطويلة، وبقدرته على إيجاد الحلول الإبداعية لها، قال بيدرسن: "لقد أمضيتُ الكثير من مسيرتي المهنية في العمل على المشاكل التي بدتْ مستعصية على الحل وعلى ديناميكيات بدتْ ثابتة إلى الأبد. ولكني أعرف، في المقام الأول، أن التاريخ يمكن أن ينحني في اتجاهات لا يتوقعها أحد".

هذا صحيح لكن بيدرسن يستخدم واحدة من الأدوات المجرّبة التي ثبت فشلها، ومن الغباء تكرار هذا الفشل مرة تلو الأخرى، وتوقُّع نتائج مغايرة. ولذا كان من البديهي في المؤتمر الصحفي عقب الإحاطة أن يسأل الصحفيون بيدرسن: أنت أيضاً تطلب الدعم الدولي، أو ربما منصة، أو مجموعة، هل تتحدث عن مجموعة جديدة؟ لأننا رأينا بالفعل عدة مجموعات من قبل!!.

في أواسط عام 2015 قدّم دي مستورا لمجلس الأمن "مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف" تحدث في الفقرة الأولى منه عن "دعم آلية دولية وإقليمية"، وأنه يمكن من خلالها "توفير منصة لمناقشة التسوية السياسية"، وأنه "مع تطور الديناميات الإقليمية يمكن تشكيل مجموعة اتصال"

ثمّ "اجتمع في فيينا، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وتحت عنوان المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG)، ممثلو كل من جامعة الدول العربية والصين ومصر والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيران والعراق وايطاليا والأردن ولبنان وعمان وقطر وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والأمم المتحدة والولايات المتحدة، لمناقشة سبل الإسراع في إنهاء النزاع الدائر في سوريا". كان هذا نص البيان الختامي لمؤتمر فيينا، وكان هذا أضخم وآخر حشد استطاع دي مستورا جمعه تحت سقف واحد، بالطبع لا يحلم بيدرسن اليوم أن يستطيع جمع مثل هؤلاء الفرقاء الذين تشتتوا واختلفت مصالحهم بطريقة يصعب أو يستحيل على بيدرسن جمعهم فيها مرة ثانية.

بعد سنة من ذلك، وفي أواخر عام 2016 تشكّل مسار أستانا برعاية ثلاث من الدول السالفة: روسيا وتركيا وإيران، وعقدوا اثنتي عشرة جولة، وبمشاركة من كل من المبعوثين دي مستورا وبيدرسن دون التوصل إلى تقدّم يُذكر حتى الآن.

وعلى الجانب الآخر، وبعد سنة ونيّف من مسار أستانا تشكّلت "المجموعة المصغّرة" مطلع العام 2018، مبتدئة بخمس دول وصولاً إلى سبع، وعقدت هي الأخرى عدة جولات، وشاركت فيها الأمم المتحدة، وقدمت ورقتين متتاليتين، لكنها أيضاً لم تحدث فرقاً في إيجاد الحل السياسي المنشود.

هل يطلب أو يخطّط بيدرسن لجمع هاتين المنصتين في مجموعة دولية واحدة؟ إن كان كذلك فهو ينسج خيوط الريح في يوم عاصف، فالخلافات بين هاتين المنصتين بالغة التعقيد، وحتى دول المنصة الواحدة لا تخلو من خلافات، وأحداث إدلب اليوم مع أنها واحدة من مناطق خفض التصعيد في مسار أستانا تدلّ على وجود خلاف عميق بين دول هذه المنصة، والأمر كذلك في دول "المجموعة المصغّرة" وخصوصا بين الولايات المتحدة والأوربيين حول الاتفاق النووي مع طهران والعقوبات المشددة عليها.

يبدو أن بيدرسن يدخل في مرحلة سبات مبكرة، سيغطّي عليها بحراك "مقنّع" لتشكيل لجنة دستورية يتسلّى هو وفريقه بها كلعبة أطفال بانتظار مجيء التوافق الدولي الذي مكث دي مستورا ينتظره سنوات، لكنه في النهاية رحل قبل مجيء هذا التوافق.