الجمعة 2019/05/17

الطريق إلى دمشق لم يعد وعراً

عادت إدلب لتتصدر وسائل الإعلام العالمية بعد أن نقض نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون وباقي المليشيات الشيعية الطائفية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية اتفاق خفض التصعيد الموقع في أستانا، وبدؤوا الهجوم على رابع وآخر منطقة خفض تصعيد تم الاتفاق عليها في هذا المسار الذي بدأ أواخر عام 2016، والذي ترعاه ثلاث دول ضامنة له هي روسيا وتركيا وإيران.

حتى إذا كان الاتفاق حقيقة حول إدلب فإنه الآن صار طيّ النسيان بعد نقضه من الجانب الروسي الضامن، ولم يعد مجدياً تبادل الاتهامات فيمن لم يوفِّ بالتزاماته، ونحن أمام مرحلة جديدة مختلفة تماماً عمّا سبق.

التباكي الدولي على إدلب وصدور البيانات الأمريكية والأوروبية في استنكار هذا الهجوم، هو ليس من قبيل التعاطف الإنساني قطعاً، فقد حدث مثله الكثير، وعلى الأقل ومن باب المقارنة فقط فقد حدث ذلك في مناطق خفض التصعيد الثلاث السابقة، ووجدنا الولايات المتحدة ترسل الرسائل لفصائل الجنوب "تحضّهم" على الاستسلام لقوات النظام والروس والقطعان المتوحشة الشيعيّة. التعاطف الإنساني الكاذب مع إدلب مردّه إلى أمر واحد، هو الخوف من "موجة اللجوء العظيم" التي لن تتوقف إلا حين يصل مدّها إلى معظم دول غرب أوروبا التي لم تتعافَ بعد من آثار الموجة السابقة، وليس هناك من باصات خضر، تواطأ المجتمع الدولي والأمم المتحدة على السكوت عن عمليات التهجير القسري نحو الشمال التي جرت عبرها، لا شمال اليوم إلا في قلب أوروبا، وهذه الدول لن تقدّم على الأرض شيئاً يساهم في وقف العدوان على إدلب، وهي قد فشلت في اتخاذ موقف ما في جلسة مجلس الأمن المغلقة قبل أيام.

فصائل الجيش الحر معظمها منخرط اليوم في الدفاع عن أرياف إدلب الجنوبية، وأرياف حماة الشمالية؛ لكنها أيضاً اليوم أمام مفترق طرق بعد سلسلة انتصارات حققتها على قوات النظام المهاجمة، ودحرتها واستعادت عدة قرى وبلدات منها، بين أن تتابع مسارها جنوباً بعد أن ظهر لها هشاشة قوات النظام، وضعفها البري الشديد، في ظلّ الانهيار الاقتصادي لكل من النظام وإيران العاجزين عن دفع رواتب الميليشيا والمرتزقة المنضوين في القتال، إثر العقوبات الاقتصادية الدولية المشددة التي تطال كلاًّ منهما، الأمر الذي ينطبق على حزب الله اللبناني، هذا الضعف الذي يعوّضه النظام بالقصف الوحشي بالبراميل والصواريخ على السكان المدنيين، والمنشآت الخدمية كالمشافي والمدارس والأفران، وبهذا تنقل المعركة بعيداً عن هؤلاء السكان المدنيين إلى أماكن مفتوحة وعلى تماس مباشر مع قوات النظام، ما يجبر النظام على التوقف عن القصف العشوائي لهم لاحتمال إصابة عناصره، وبين أن تبقى متمترسة في مناطق انتشارها قريباً من إدلب للدفاع عنها.

الطريق إلى دمشق ليس وعراً، والفصائل التي ركبت الباصات الخضر متوجهة نحو الشمال بإمكانها اليوم أن تعود على نفس الطريق الذي جاءت به إلى مواقعها في ريف دمشق، في الغوطة الشرقية والقلمون، وفي درعا، وفي حمص والقنيطرة، أو أن تستفيد من دروس حرب السنوات الثماني الماضية، فالنظام لن يسقط من عفرين، ولا من إدلب، ولا من كل الشمال أو الشرق، والمساحة التي تجاوزت 70% من مساحة البلاد التي فقدها النظام سابقاً، وبقيت فترة طويلة تحت سيطرة الجيش الحر لم تُسقط النظام، واستطاع النظام استعادتها بمعارك أو بمصالحات واتفاقات، وكان حريصاً قبل أي شيء آخر على تفريغ محيط العاصمة دمشق من الفصائل، وإبعادهم عنها صوب الشمال.

النظام يسقط من دمشق: هذا هو الدرس المستفاد، والفصائل اليوم عليها إعادة تجميع صفوفها، وأن تجعل وجهتها نحو العاصمة بالتحديد، وهذا الشيء الوحيد الذي سيغيّر قواعد الحرب، والحل السياسي في سوريا.