الأثنين 2019/07/22

السوريون في تركيا..لاجئون لم يختاروا مصيرهم


مركز الجسر للدراسات...


يجب الاعتراف أنه لا يوجد قانون دولي، وأن القوانين الوطنية اقوى منه، هذه عقدة النقص التي لم تستطع الأمم المتحدة حلّها مقابل مبدأ سيادة الدول، التي بنيت المنظمة الدولية على أساس احترامه، وعدم التدخل في الشؤون والنزاعات الداخلية لأعضائها والتي عجز فيما سبق الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عن إحداث تغيير فيها في طرح له في أيلول/سبتمبر 1999.

الوثائق الدولية حول اللاجئين تتلخص باتفاقية اللاجئين عام 1951 التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية، ثم بروتوكول 1967 المكمّل لها، والمبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي 2002، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 71/1 المعنون بـ "إعلان نيويورك من أجل اللاجئين والمهاجرين" 2016، والخطوط العامة في إعلان حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والعديد من تقارير منظمة العفو الدولية حول أوضاع اللاجئين في مصر والأردن ولبنان وتركيا، وإخفاق المجتمع الدولي في علاجها، إضافة لتقارير مجلس حقوق الإنسان.

معضلة اللاجئين السوريين أن دول الجوار بكاملها غير موقعة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين، من المثير للاهتمام في ضوء التطورات الأخيرة حول وضع اللاجئين السوريين في تركيا البلد الأكبر المستضيف لهم معرفة أن تركيا سجّلت تحفظاً على البروتوكول المكمّل لاتفاقية اللاجئين الصادر عام 1967 واعتبرت فيه أن وصف اللاجئ ينطبق فقط على الأشخاص القادمين إلى تركيا بسبب أحداث تقع في أوروبا حصراً، وليس في أي مكان آخر على وجه الأرض.

يقسم إعلان نيويورك الدول إلى ثلاثة أقسام:

دول المنشأ/الجنسية، ويعني بها دول الجنسية الأصلية للمهاجرين التي فرّوا منها.

دول العبور التي يضطر اللاجئون للمرور بها في طريقهم إلى وجهتهم النهائية.

دول المقصد التي يسعى اللاجئون للوصول إليها وتقديم طلبات اللجوء والاستقرار فيها.

مع اشتداد القصف واجتياح المدن من طرف قوات نظام الأسد لسحق الثورة الممتدة على طول البلاد وعرضها، وانتشار عمليات الاغتصاب والانتهاكات على نطاق واسع، فرّ السوريون في البداية إلى مناطق داخلية خارجة عن سيطرة النظام، لكن مع التدخل الروسي وضرب الحصار على حلب أكبر المدن السورية، ثم احتلالها، بدأت موجة الخروج الضخمة من البلاد، وكان لدى السوريين ثلاثة خيارات رئيسية يتوجهون نحوها، لبنان والأردن وتركيا، فالعراق دولة الجوار الرابعة لم تكن وجهة لهم فهي لا تزال في حالة حرب، إضافة لمواقفها الداعمة للنظام، ولهيمنة إيران على قرار السلطات فيها، ما يسبب خطراً على اللاجئين السوريين إليها.

رغم أن لبنان والأردن كانتا بيئة ملائمة من حيث اللغة والعادات القريبة من عادات السوريين إلا أن التوجه إليهما كان أقل بكثير من التوجه نحو تركيا مع علمهم باختلاف اللغة والعادات، السبب الرئيس في ذلك أن الوجهة نحو لبنان الأردن تعني الوصول إلى باب مغلق، فليس وراء لبنان من بلد ثالث، حدودها محصورة بين النظام والبحر، والأردن مثلها، فليس بعدها سوى السعودية بوابة دول الخليج الموصدة الأبواب في وجه اللاجئين السوريين، وبالتالي سيجدون أنفسهم عالقين في هذين البلدين، يعانون من سوء الوضع المعيشي الذي يعاني منه اللبنانيون والأردنيون، وسينحصر أملهم في المستقبل بالوصول إلى نهاية للحرب في سوريا، أو انتظار حل سياسي يأتي بحكم جديد غير الذي ثاروا عليه.

لذا كانت الوجهة نحو تركيا أضعافاً مضاعفة ليس باعتبارها بلد مقصد يريد اللاجئون السوريون الاستقرار فيه، وإنما بلد عبور نحو أوروبا، فالميزات التي منحتها أوروبا لطلائع اللاجئين تمنع اللاجئين الجدد من التفكير في اعتبار تركيا بلد مقصد، حيث لا يتم الاعتراف بهم كلاجئين، ولا تقدم لهم الميزات الممنوحة في الدول الأوروبية وخصوصاً الغربية، علاوة على خبرتهم في المشاكل اللاحقة التي ستنتج عن تجمعهم الكثيف في بلد واحد، فيما سيكون توزعهم على عشرات الدول الأوروبية عاملا مهما يساهم في عدم نشوء هذه المشاكل بينهم وبين السكان المحليين، إضافة للاقتصاديات الأوربية القوية التي ستوفر لهم نوعا من الاستقرار، والأهم من ذلك كله أنه سيتم الاعتراف بهم كلاجئين، وسيجدون في قوانين الديمقراطيات الأوروبية حصانة لهم من معاملة سيئة من المتعصبين ضد اللاجئين، وسيجدون كذلك منظمات مجتمع مدني قوية تدافع عن حقوقهم.

كان السوريون يمكثون لفترة قصيرة في المدن التركية ريثما تجمّع العائلات أفرادها، ثم يتوجهون إلى القسم الأوروبي من تركيا، وخصوصا إسطنبول لقربها من الأراضي الأوروبية، وهو ما يفسّر العدد الكبير لهم في اسطنبول، أو إلى إزمير المطلة على بحر إيجة، ومنها ينطلقون عبر ممرين رئيسيين نحو أوروبا، عبر البحر صوب الجزر اليونانية، أو عبر البر مشياً على الأقدام من الحدود اليونانية أو البلغارية أو الجورجية، ثم يعبرون عددا من الدول في طريقهم للوصول إلى ألمانيا والسويد والنمسا وهولندا وفرنسا، وبعضهم يتابع إلى النروج والدنمارك وفنلندا.

فجأة ومع مطلع عام 2016 وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تركيا يوم 18 مارس/شباط في بروكسل إثر لقاء جمع بين رئيس وزراء تركيا آنذاك أحمد داود أوغلو ورئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ بعد يومين من إقراره، لإيقاف تدفق اللاجئين نحو أوروبا، كان الاتفاق يقضي بإعادة جميع اللاجئين الجدد الذين يصلون من تركيا إلى الجزر اليونانية اعتبارا من 20 مارس/آذار 2016 إلى تركيا، يتكفل الاتحاد الأوروبي بنفقات إعادتهم، وأنه  مقابل كل سوري يعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا سيتم استقبال سوري آخر من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ضمن سقف قدره 72 ألف لاجئ، وستحصل تركيا مقابل توقيع الاتفاق على مساعدة مالية مقدارها ثلاثة مليارات يورو تجدد سنويا، كذلك سيعمل الاتحاد الأوروبي على تسريع انضمام تركيا إلى عضويته، وأن يتم في مهلة أقصاها نهاية يونيو/حزيران 2016 إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرات الدخول إلى أوروبا.

 إذن قرار بقاء اللاجئين السوريين في تركيا، ومنعهم من مغادرتها كان قراراً تركياً خالصاً، ولم يكن للاجئين السوريين ذنب فيه، حتى ينقلب الأمر عليهم ويعاقبوا بسبب قرار لم يتخذوه هم بالأصل، ولم يكن البقاء بمحض إرادتهم، واستمر الكثير منهم يحاول المرة تلو الأخرى ركوب البحر، أو عبور الحدود البرية، وتعريض أنفسهم وأطفالهم لمخاطر جمّة، إضافة لخطر الاعتقال من قبل السلطات التركية.

بغضّ النظر عن الشؤون الداخلية والخلافات السياسية في تركيا، فإن حقوق اللاجئين تقتضي العودة إلى ما قبل الاتفاق التركي الأوروبي، وبالتالي منح اللاجئين حقهم أولا في هجرة نظامية وآمنة عبر تمكينهم من تقديم طلبات لجوء لدى مفوضية شؤون اللاجئين، وحقهم في البقاء في تركيا إلى وقت البت في قبول طلباتهم، أو السماح لهم مرة ثانية بالخروج من تركيا إلى الوجهة التي يختارونها هم بإرادتهم، وهذا ليس فيه أي تبعات قانونية على تركيا ما دامت "الدول الثالثة" حسب التصنيف الدولي أي دول المقصد للاجئين لم توفّ بالتزاماتها تجاه بلدان العبور المستضيفة للاجئين بشكل مؤقت.