الأحد 2020/01/26

الحرب في سوريا أبعد ما تكون عن “رقعة شطرنج”

رقعة الشطرنج تحكمها قواعد كثيرة ومعقّدة، تضبط حركة اللاعبين فوقها، لكن على الأقل هناك قاعدتان أساسيتان يكاد كل شيء يستند إليهما، الأولى أن كل لاعب يتحرك وفق طريقة محددة له تتناسب وطبيعة دوره، والثانية أنّ اللاعب الذي يفقد دوره يخرج من الرقعة.

الحرب في سوريا أبعد ما تكون عن رقعة شطرنج تعمل وفق خطط وقواعد، بل يمكن للمدقّق فيما يجري أن يقول إنها وصلت إلى مرحلة عبثية، خرجت فيها الأمور عن السيطرة، كسفينة تتقاذفها أمواج عاتية، وتوشك أن تستسلم للغرق مصيرها المحتوم.

المفارقات أعلى من ذلك بكثير أيضاً، طرفا الصراع الأساسيان اللذان يفترض أن ينتصر واحد منهما، كلاهما صارا فقط بيادق المعركة، فيما يتربّع على رأسَي الرقعة عدد من اللاعبين يرون أنفسهم أنهم ملوكها الحقيقيون الذين لهم الكلمة الأولى والأخيرة، ولاعبون آخرون يرون أنفسهم بمرتبة قريبة من أولئك.

قرارات مجلس الأمن التي هي نوع من القواعد الدولية لفض النزاعات وفرض الأمن والسلم العالمي، واتفاقات المسارات الجانبية مثل أستانا، لم تجد طريقها للتطبيق على الأرض، وما تمّ تطبيقه منها مثل المصالحات تعود فيها المناطق للغليان من جديد بسبب عدم وفاء النظام بالتزاماته فيها.

يمكن القول إن أمرين اثنين سادا المشهد في الحرب السورية:

الأمر الأول: أن معظم الأطراف المتصارعة، لم تكن تملك استراتيجيات أو خططاً بعيدة المدى، أولاً  في ما يدعوها للتدخل، لذا نجد عدداً من هذه الأطراف يتحوّل في طريقة تدخّله، بين موقف سياسي ودبلوماسي، أو بين موقف اقتصادي وعسكري، وثانياً في التحوّلات التي تطرأ على المواقف بعد التدخّل، حيث تتباين الخطوط البيانية بشكل حاد صعوداً ونزولاً في تأثيرها. والمشكلة أن هذه التغييرات تحدث كردّات فعلٍ استجابة لعوامل داخلية مثل الانتخابات، أو خارجية نتيجة تغير الاصطفافات الدولية، أو كنوع من تصفية حسابات سياسية في قضايا لا علاقة لها بالأصل بالشأن السوري. وبسبب هذا الأمر كانت تحركات هذه الأطراف تظهر كحركة فوضوية تصل إلى حد عدم القدرة على التنبّؤ بالخطوة التالية لها.

الأمر الثاني: رغم كل التحوّلات والأخطاء في مواقف هذه الأطراف، وانحسار تأثير بعضها إلى درجات كبيرة إلا أنها لم تغادر الساحة السورية، وحافظت على مواقع لها على الخارطة بشكل مباشر أو عبر وكلاء لها، ولذا وقفت الساحة المزدحمة، والمصالح المتجاذبة، سدّاً منيعاً إضافيّاً في وجه التوصّل لحلّ يرضي جميع هذه الأطراف المختلفة. بل كانت المشكلة تزداد تعقيداً أحياناً من طرف هؤلاء اللاعبين الذين انحسرت أدوارهم فيلجؤون إلى دور التعطيل أو التخريب بسبب استبعادهم، ولذا لم يكن هناك من أمل في أن ينجح شيء من الاتفاقات أو التفاهمات دون وجود إجماع عليها.

هذا النسق السائد في الحرب السورية لن يخرج عن نمطه قريباً، إن لم يكن لا يزال يزداد اضطراباً مع الخلافات العالية التي حدثت أخيراً بين الولايات المتحدة وإيران، والخلافات التي ستتصاعد حول ليبيا، ومع المشاكل الداخلية التي تطرأ في دول الجوار مثل العراق ولبنان، أو في روسيا والولايات المتحدة على خلفيات انتخابية للحكم القادم فيهما.

إن كان من لاعب وحيد يقترب في أدائه من قواعد لعبة الشطرنج فهو النظام الإيراني  الذي يسير نحو هدف مرسوم في سوريا يشبه ما حققه في كل من العراق ولبنان واليمن في محاولة العمل وانتظار خروج جميع اللاعبين الآخرين، والانفراد بالسيطرة على سوريا، ولذا تعدّ إيران حالياً أسوأ وأخطر المتدخّلين بالنسبة للشعب السوري الذي يسعى لتغيير نظام الأسد، في الوقت الذي ترى فيه إيران بشار الأسد الأمل الوحيد لنجاح مشروعها التوسعي ، والإمساك بعدد أكبر من الأوراق التفاوضية للحفاظ على مشروعها النووي، وعلى مصالحها ونفوذها في المنطقة.