السبت 2019/05/25

الجميع يشتري الوقت في سوريا

في حسابات التاريخ، الحرب التي تمر بها سوريا، تنقضي خمسة وعشرون عاماً قبل أن تجد طريقاً للحل، ولوضع نهاية لها.

لبنان والعراق أقرب دولتين شهدتا صراعاً شبيهاً بالصراع السوري، حرب لبنان امتدت أكثر من خمسة عشر عاماً قبل أن تكتب الحروف الأولى لوضع العد التنازلي لها في اتفاق الطائف، وها هي العراق تتعدى هي الأخرى خمسة عشر عاماً وهي تتخبّط في صراعاتها الداخلية.

البعد الطائفي جزء من المشهد فرضه النظام ليطيل أمد الحرب ما استطاع، وليكسب إلى صفه أقليات فهو يزعم أن وجوده يحميها ويحافظ على بقائها مقابل "أكثرية" تريد اضطهادها أو طردها خارج البلاد، أو إبادتها وتطهيرها عرقياً ودينياً، وليظهر الأمر على أنه انقسام حول هذا الأمر وليس أن الثورة اشتعلت بسبب نظام الحكم الديكتاتوري المستبد الممتد لأربعين سنة كاملة يوم أن بدأت عام 2011.

أراد النظام كذلك كسب المجتمع الدولي بإظهار نفسه شريكاً في الحرب على "الإرهاب الإسلامي" فيما هو حقيقة أكبر شريك لتنظيمين مصنفين على قوائم الإرهاب هما الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، ووحده نظام الأسد قادر على ابتلاع هذه المعادلة المتناقضة بين علمانيته وتلك التنظيمات الدينية التي سمح لها بالتوغل والانتشار في سوريا، ليس على المستوى العسكري فقط، وإنما أيضاً على المستوى الديني والثقافي والاجتماعي.

في السنوات الثماني الماضية تغيرت أشياء كثيرة، تغير الأمين العام للأمم المتحدة، فذهب الكوري الجنوبي "بان كي مون" وجاء البرتغالي "أنطونيو غوتيريس" وتوالى معه أربعة مبعوثين دوليين بدءاً من الغاني "كوفي أنان" مروراً بـالجزائري "الأخضر الإبراهيمي" والسويدي "ستافان دي ميستورا" وانتهاء بـالنرويجي "غير بيدرسن"، كما ذهب الأمين العام لجامعة الدول العربية المصري "نبيل العربي" ليحل محله "أحمد أبو الغيط" مثلما حلّت الإيطالية "فيديريكا موغريني" محل البريطانية "كاترين أشتون" على رأس هرم الممثلية العليا للاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية.

تبدّلات عديدة حدثت في المشهد الإقليمي، في العراق ذهب الرئيس "جلال الدين طالباني" ثم تبعه "فؤاد معصوم" ليأتي على إثرهما "برهم صالح" كما ذهب من رئاسة الوزراء "نوري المالكي" ثم "حيدر العبادي" ليصل الآن "عادل عبد المهدي"، وفي تركيا حدثت أيضاً تحولات جوهرية تغير فيها نظام الحكم بالكلية ليصبح رئاسياً، وليخرج "أحمد داود أوغلو" مهندس الملف السوري على مدى سنوات عديدة. في لبنان كذلك تأرجحت رئاسة الحكومة بين "سعد الحريري" و"نجيب ميقاتي" و"تمام سلام" وبعد شغور عامين ونصف تولّى سدّة الرئاسة العماد "ميشيل عون" خلفاً للعماد "ميشيل سليمان.

انقلب "عبد الفتاح السيسي" على الرئيس المصري المنتخب "محمد مرسي" وتتالى في تونس ثلاثة رؤساء وسبع حكومات بعد عام 2011، حتى المَلَكيات العربية طالتها التغيرات، توفي ملك السعودية "عبد الله بن عبد العزيز" وتولى العهد الملك "سلمان" الذي غيّر ولاية العهد ليسلمها لابنه الأمير "محمد" كما تخلّى أمير قطر عن الحكم لابنه الأمير "تميم" ليغيّر ذلك معه سياسات داخلية، ولينشئ علاقات خليجية ودولية جديدة، وليظهر محور "السعودية الإمارات مصر البحرين"، مقابل محور "قطر تركيا". ملَكيات أخرى تغيرت حكوماتها مثل الأردن والمغرب، وبقيت اليمن وليبيا في دوامة الحرب المستعرة، وأخيراً وليس آخراً أطيح بزعيمين عربيين: "عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، و"عمر البشير" في السودان إثر احتجاجات شعبية لا ترقى أن تكون على مستوى احتجاج مدينة سورية واحدة على نظام الأسد.

أيضاً ذهب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وإدارته، ووصل "دونالد ترامب" الذي غيّر طاقم إدارته أكثر من مرة، ومثل ذلك حدث في بريطانيا استقال "دافيد كاميرون" وخلفته "تيريزا ماي" التي أعلنت هي الأخرى استقالتها، ونيتها ترك منصبها مطلع الشهر القادم، وفي فرنسا عقب "إيمانويل ماكرون" سلفه "فرانسوا هولاند" الذي كان قد عقب هو الآخر "نيكولا ساركوزي" بعد سنة ونيّف من بدء الثورة السورية، ومع تغير رؤساء فرنسا تغير رؤساء حكومتها من "فرانسوا فيون" إلى "جان مارك أيرولت" إلى "مانويل فالس" إلى "برنار كازنوف" وصولاً إلى "إدوارد فيليب"، وحدث الكثير الكثير مثل هذه التغيرات في دول أوروبا وأمريكا الوسطى والجنوبية، والدول الآسيوية والإفريقية، لكن كل ذلك لم يؤثر بأبسط تأثير على الحرب في سوريا، ظهر العالم كله كأنه "يشتري الوقت في سوريا" وجلس بأجمعه ينتظر حدوث شيء ما، ولا أحد يتنبأ من أين، أو كيف سيأتي هذا الشيء المنتظر؟.

قائمة الدبلوماسيين والسفراء الدوليين تطول هي الأخرى، الولايات المتحدة غيّرت فورد بروبنستاين ثم براتني ثم بجيفري، وهولندا استدعت عميد دبلوماسييها فاندام الخبير بنظام الأسد، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وفعلت ذلك معظم دولالعالم، ولكن بلا نتيجة تذكر.

حتى داخل نظام الأسد حدثت تغيرات وتوالت ست حكومات انشق أحد رؤسائها، واغتيلت خلية الأزمة التي كانت تدير الأحداث، وانهار الاقتصاد، وذهب أكثر من مليون سوري بين قتيل وجريح ومعتقل ومفقود، وصار نصف الشعب السوري بين نازح ولاجئ، وتغيرت الخارطة الجغرافية للسيطرة على الأرض بشكل حاد مرات عديدة، وظهرت واختفت "عاصمة البغدادي"، ودُمّرت مدن وبلدات وقرى بأكملها، وبدا هنا أن النظام هو الآخر "يشتري الوقت" و"ينتظر حدوث شيء ينقذه.

ما الذي لم يتغيّر في السنوات الثماني الماضية؟

قائمة سوداء من خمسة وجوه لم تتغير، سنترك منها رأس النظام في دمشق، وكذلك الأمين العام لحزب الله اللبناني "حسن نصر الله" باعتبارهما أدوات بيد آخرين في هذه القائمة.

القائمة الثلاثية التي لم تتغير ولعلها التي كانت السبب الرئيسي في بقاء العالم بأجمعه ينتظر، تتكون من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" المستمر في منصبه منذ عشرة أعوام، والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" صاحب السلطة المطلقة في روسيا منذ عشرين عاماً، والمرشد الأعلى في إيران "علي خامنئي" الموجود في منصبه منذ ثلاثين عاماً. هؤلاء الثلاثة هم العامل الوحيد الثابت في العالم الذي منع سقوط الأسد، روسيا بالحصانة التي منحتها للأسد في مجلس الأمن الدولي بالفيتو الذي وصل إلى 12 مرة، وبالدعم العسكري بأحدث الأسلحة الفتاكة، وبإرسال الجنود الروس ليقاتلوا إلى جانب جنود النظام، وفعلت إيران بالمثل ذلك في تبني النظام بالدعم الاقتصادي والعسكري اللامحدود له، وجندت للقتال إلى جانبه "قوات الحرس الثوري" والمليشيات الشيعية الطائفية العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية، أما تل أبيب فالتزمت الصمت فترة طويلة، إلا أن أصواتاً كثيرة فيها كانت تنادي بالمحافظة على عائلة الأسد في السلطة، وعدم السماح بتغييرها، عرفاناً لها بالجميل على حدود هادئة لمدة عقود، رغم حالة اللا سلم واللا حرب القائمة بينهما.

نظام إيران قد يكون مقبلا على مرحلة ضعف بسبب التوتّر الحاصل مع الولايات المتحدة، وهذا سيزعزع نظام الأسد بلا شك، لكنه لا يصل به إلى السقوط، أما موقف موسكو فهو بدرجة كبيرة يعبّر عن سياسة تل أبيب تجاه الأسد، كما هو الحال تماما في واشنطن، ويبدو أن تل أبيب ليست في عجلة من أمرها، ستترك الأسد ليدمّر ما تبقى من سوريا، لتصل إلى أقصى درجات الضعف الممكنة، فالتاريخ يقول إن الأسد لن يدوم، وسوريا ضعيفة لا تهدد تل أبيب، أفضل من سوريا قوية تهددها، ولذا يبدو أن العالم سيضطر للانتظار إلى أن ترفع تل أبيب يدها، وتعطي الإذن بتغيير الأسد، ما لم يكن للسوريين معارضة وموالاة رأي آخر.