الثلاثاء 2019/01/08

الجامعة العربية حين تهزّ السيوف في وجه السوريين

موجة تسونامي هائلة صدمت النظام العربي، في وقت رأى فيه أنه وصل إلى شاطئ الأمان وصار عصيّاً على احتجاجات أو ثورات شعبية تغيّر قواعد اللعبة التي وضعها قبل سبعين عاماً تقريباً، بله أن تقوم ضده أو تطيح به، فوسائل تدجين الشعوب العربية كانت قد بلغت مبلغاً من العنف والقسوة والمعاملة اللاإنسانية ما لا يتصور معه العقل أن هذه الشعوب يمكن أن تثور على جلاديها.

إذا علمنا أن الدول العربية المؤسسة للجامعة عام تأسيسها 1945 لا تتجاوز أربع دول مستقلة فيما كانت البقية لا تزال ترزح تحت الاحتلال، فلنا أن نستنتج أن مشروع الجامعة العربية هو مشروع بريطاني طرحه وزير الخارجية "أنتوني إيدن" عام 1941 أبّان الحرب العالمية الثانية، كانت فرنسا وبريطانيا تهدفان إلى تجنّب حدوث اضطرابات في مستعمراتهما بالمنطقة العربية، وبسبب خوفهما من تسلل المحور الفاشي والنازي إلى المنطقة عمدتا إلى منح زعماء هذه المستعمرات -الدول- وعوداً بالحصول على الاستقلال بعد نهاية الحرب.

عملت مصر على تنفيذ هذا المشروع ووضعت مقر الجامعة في عاصمتها القاهرة لتضمن هيمنتها على قرار وقيادة الجامعة، وهو ما حصل إلى يومنا هذا إلى جانب السعودية الشريك الثاني الفعلي المؤسس للجامعة.

وكما كانت المادة الثامنة من دستور نظام الأسد التي تنص على أنّ "حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع"، هي المادة حجر الأساس في منظومة الحكم التي أطلقت يد النظام دون قيد أو مراقبة لينتج حكما استبداديا متوحشا، كذلك كانت المادة الثامنة من ميثاق الجامعة العربية هي حجر الأساس الذي أمِن فيه حكام الأنظمة العربية من وقوعهم تحت أي مساءلة من جانب الجامعة فيما لو انتسبوا إليها، وتكون حصانة لهم من مساءلة منظمات دولية أكبر منها كالأمم المتحدة التي تشكّلت بعد سبعة أشهر من نفس العام فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، باعتبار أن الجامعة هي من سيتولى حل مشاكل الدول المنتسبة إليها ابتداء، تنصّ المادة الثامنة من ميثاق الجامعة على أنْ "تحترم كل دولة من الدول المشتركة فى الجامعة نظام الحكم القائم فى دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها".

إذن كيف نفسّر قرارات الجامعة العربية التي صدرت بحق نظام الأسد، تفرض عليه عقوبات اقتصادية، ثم تقاطعه دبلوماسيا، لتنتهي بالطلب من رئيسه التنحي عن السلطة؟

لو لم تفعل الأنظمة العربية ذلك لاجتاحها تسونامي التغيير دون استثناء، لذا كان لا بد من موقف ظاهري يكون بمثابة صمّام أمان من وصول عدوى الربيع العربي إلى حدودها، ولذا أيضاً جاءت مسايرة للموقف الأخلاقي والمعنوي الذي تضامنت فيه الشعوب العربية مع مأساة السوريين كتضامنهم على مر السنين مع مأساة الفلسطينيين، الذي لم يغير شيئاً من حقيقة المعاناة التي يعانونها جراء الاحتلال الصهيوني، وكما كانت القضية هناك قضية شعارات جوفاء مرفوعة كانت كذلك في الحالة السورية، كان الحكام يرددون صدى تصريحات الشارع لا أكثر، فهم يعلمون قبل غيرهم أنهم أنشؤوا جامعة تحميهم لا جامعة تملك فصلاً سابعاً يجيز لها التدخل عسكرياً في حال حصول تهديد للسلم والأمن الدوليين.

مع مضي سنوات ثمان طوال، صارت التغريبة السورية فيها أشد إيلاماً بأضعاف مضاعفة من التغريبة الفلسطينية، نصف الشعب السوري بين قتيل مدفون في القبور، وسجين مغيّب في معتقلات الجحيم، ونازح في مخيمات الشقاء، ولاجئ في بلاد الغربة، وصار الشعب السوري فيها درساً وعبرة لمن يعتبر من الشعوب العربية التي أيقنت أنها لن تكون بحال أفضل من حال السوريين ما لو طالبوا بحريتهم وكرامتهم.

كان الشارع العربي يعي الدرس، وكان زعماء الأنظمة العربية يختبرون شعوبهم المرة تلو الأخرى، ويُمعنون في إذلالهم ليتأكدوا من خضوعهم التام، وخوفهم أن يصيبهم ما أصاب الشعب السوري، تصفية خاشقجي، وتحدي المشاعر الدينية، والعادات والتقاليد الاجتماعية في السعودية، والاعتقال والاعتداء الذي ينال سجينات سعوديات، وما يحدث للمعارضين في مصر والإمارات مثال لما يجري وسيجري في الدول العربية.

تقود الإمارات الآن "عَرْضة" السيوف العربية في مشهد هزيل راقص، كما سلب السيف العربي أصالته حين أراق كرامته وتاريخه بيد الراقصين، فإنه يسلب العروبة من تاريخها وأصالة أخلاقها وكرامتها.

لا شيء جديدا في موقف الجامعة العربية، هي فقط تعود إلى أصولها الأولى، وهي حين تهز سيوفها في عَرْضة استقبال الأسد عائداً إلى حضنها لا تفعل شيئاً، تظن الجامعة أنها ستسوق السوريين إلى "بيت الطاعة" حين تعيد تأهيل حاكمهم، لكنها تقع في الخطيئة الكبرى هذه المرة.

السوريون في ثورتهم لم يعوّلوا لا على الجامعة العربية ولا على غيرها، بعدما اكتشفوا كذب الجميع وتواطؤهم على ثورتهم، لذا فإن موقف الجامعة لا يعنيهم من قريب ولا من بعيد، وعلى السوريين وخصوصاً قيادات المعارضة ترك هذا الموقف الخجول، لا يوجد ما يخسرونه، يجب رفع الصوت عالياً ضد كل من يطبّع علاقاته مع زعيم عصابة دمشق، وفضحهم على الأقل أخلاقياً أمام شعوبهم التي قد يكون لها رأي آخر.