الخميس 2020/08/20

الاتفاقية الإسرائيلية الإماراتية.. لماذا ترفض الإمارات والسعودية حلّ الدولتين في فلسطين ؟ !

"اتفاقية سلام تاريخية بين صديقتين عظيمتين" بكلمات الرئيس الأمريكي ترامب هذه في وصف الاتفاقية الإسرائيلية الإماراتية بدأ ت حملة التضليل والخداع الواسعة، فاتفاقيات السلام تكون عادة بين الأعداء لا بين الأصدقاء، كان سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة قد كتب في صحيفة واشنطن بوست: "إسرائيل ليست عدوًا".

حملة التضليل تضمنت أكاذيب كثيرة تتحدث عن خارطة طريق إسرائيلية إماراتية لتوقيع صفقات تجارية، وعقود لشركات السفر، والاستثمار في التكنولوجيا والطاقة، والاستفادة من التفوق العسكري الإسرائيلي، والتعاون في تطوير لقاح COVID19 ، لكن يبقى رأس هرم جبل الكذب هذا أن الإمارات فعلت ذلك مقابل الحصول على تعهّد من رئيس الوزراء الإسرائيلي بتجميد قرار ضمّ أجزاء من الضفّة الغربية، ويمكن أن نقول عن تصريح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إنّ اتفاق السلام تمّ "للإبقاء على فرص حلّ الدولتين"، أنّ هذا التصريح هو "كذبة القرن".

بل لعلّ هذه الاتفاقية برمّتها حدثت لإنهاء حلّ الدولتين، لكن إذا كان مفهوماً أن بعض المجموعات الدينية اليمينية اليهودية ترفض حلّ الدولتين، وتطالب بضمّ جميع الأراضي الفلسطينية، وعدم السماح للفلسطينيين بإقامة دولة لهم ولو على مساحة محدودة من وطنهم الأصلي، فالسؤال الكبير لماذا تسعى الإمارات ومن خلفها في المحور السعودي البحريني المصري إلى ضرب حلّ الدولتين؟

بداية ليس هناك مشكلة لهذا المحور "العربي" في دولة فلسطينية يقودها محمود عبّاس، لكن الحقيقة الوحيدة التي يريد هذا المحور إخفاءها أنهم ضدّ دولة فلسطينية تقودها أو تشارك فيها حماس التي استطاعت البقاء عبر بسط سلطتها على قطاع غزة رغم الحصار الشديد المضروب على القطاع، ومحاولات إيصاله إلى مرحلة الانهيار الكامل، ومحاولات إعادة تبعية القطاع للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بقيادة عبّاس.

الإمارات في السنوات العشر الماضية كانت عرّاب مشروع الثورات المضادة للربيع العربي، حيث رأت فيها وصول ما تسمّيه "الإسلام السياسي" للسلطة في بعض الدول العربية، لذا دبّرت انقلاب السيسي في مصر بذريعة حكم الإخوان المسلمين، ودفعت بحفتر في ليبيا للانقلاب على الحكومة أيضاً بذريعة وجود مجموعات إسلامية ضمنها، وهي تثير القلاقل مرة تلو أخرى في تونس لإخراج حركة النهضة من المشهد السياسي، وبحسب تقرير الغارديان فإن محمد بن زايد أقنع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقطع الدعم عن المعارضة السورية، وأنّ "تهديد ثورة بقيادة الإخوان المسلمين في سوريا أخطر من وجهة نظر دول الخليج، ممّا لو بقي الأسد في السلطة" وأن الإمارات كانت تدفع باتجاه دعم روسيا لتحقيق الاستقرار في سوريا ومساعدة دمشق على استعادة المناطق التي خسرتها، وأن محمد بن سلمان سافر في شهر حزيران/يونيو 2015 إلى سانت بطرسبورغ والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وناقش معه التدخل الروسي في سوريا، وهو الأمر الذي حدث بعد أشهر قليلة، وغيّر موازين المعركة في حلب، وأدّى لعقد مؤتمر فيينا الذي كرّس مبدأ علمانية الدولة، والذي حدث التحوّل الأهم فيه بسعي السعودية للتحكم بإعادة تشكيل المعارضة السورية حسب اتفاقها وخطتها الجديدة مع روسيا عبر أخذها تفويضاً دولياً بعقد مؤتمر الرياض وتشكيل هيئة التفاوض بديلا للائتلاف الوطني، ثم إدخال منصات موسكو والقاهرة فيها، وكل هذا في سبيل إعادة تأهيل نظام الأسد، وضرب فرصة قيام حكومة وطنية في سوريا يكون "للإسلاميين" الذين تكرههم الإمارات والسعودية دور فيها، وهو نفسه المشروع الذي عملت عليه في مصر وليبيا وتونس وجاء الدور الآن لتعمل عليه في فلسطين.

هذا يفسّر نوعاً ما سكوت معظم "القادة العرب" عن الاتفاقية الإماراتية فمصلحتهم فيها ظاهرة، وهو يفسّر من جانب آخر الإجماع الفلسطيني على رفضها لفهمهم أنها بمثابة إعلان حرب "عربية إسرائيلية" مشتركة هذه المرة عليهم، وأنها تسلبهم حق إقامة الدولة الفلسطينية على أرضهم.