الأحد 2017/08/27

الاتحاد الأوربي يتدخل لإنقاذ وثائق لوزان التقنية

مُني مؤتمر الرياض الأخير للمعارضة السورية بين منصتي موسكو والقاهرة، وبين هيئة المفاوضات العليا بفشل ذريع، فمنصة موسكو كانت أعلنت أساس حضورها المؤتمر بشكل صريح، وهو موافقة هيئة المفاوضات العليا على اعتماد وثائق لوزان التقنية، وعلى موافقة المعارضة ككل على اعتماد دستور 2012، وعدم كتابة إعلان دستوري جديد للمرحلة الانتقالية.

للتذكير فقط فإن وثائق لوزان تعاني من مشكلتين رئيسيتين جعلت هيئة المفاوضات ترفض اعتمادها أثناء عرضها في جولة جنيف 7:

الأولى: إسقاط بند مصير الأسد في العملية السياسية الانتقالية أو النهائية، وهو ما تصر منصة موسكو عليه، وتطرح استمراره في منصبه ووضع خمسة نواب له: لشؤون مجلس الوزراء، ولشؤون الدفاع، والخارجية، وللشؤون الأمنية، وللشؤون التشريعية والقضائية، كما تطرح منصة القاهرة مناقشة مصيره أثناء المفاوضات، وعدم وضعها كشرط مسبق.

الثانية: التنازل عن البدء بسلّة هيئة الحكم الانتقالي، والبدء بسلّتي الدستور والانتخابات، كما تطرح موسكو هنا مسمّى "حكومة موسّعة" بدل "هيئة الحكم الانتقالي".

إثر هذا الاجتماع عادت التصريحات للظهور من جديد حول تغيير المواقف الدولية من رحيل بشار، وإمكانية بقائه في منصبه في المرحلة الانتقالية، وإغفال الحديث عن مصيره في المرحلة ما بعد الانتقالية، وكان آخرها تصريح وزير الخارجية الفرنسي " جان إيف لو دريان" ( أنه لا يوجد شرط مسبق برحيل بشار الأسد خلال المرحلة الانتقالية، وأن الموضوع الأساسي في سوريا هو محاربة تنظيم الدولة).

دخل الاتحاد الأوربي على الخط فور انتهاء الاجتماع، ووجّه دعوة لهيئة المفاوضات للحضور إلى بروكسل، والاجتماع بوفدها المفاوض الذي أقرّ هذه الوثائق في "الآلية التشاورية" التي أنشأها "دي مستورا" في جنيف 6، كما تمّ توجيه الدعوة لعدد من الاستشاريين لحضور هذا الاجتماع.

أهداف الاجتماع الذي سيبدأ في الأيام القريبة القادمة تتلخص في تغيير هيئة المفاوضات لموقفها من هذه الوثائق بالذريعة التي تسوّق اليوم حول "الواقعية السياسية" التي يجب أن تتحلى بها المعارضة، وأن تنظر بجدية إلى وقائع الأرض والانتصارات التي يحققها النظام، وتوالي اتفاقيات تخفيف التصعيد التي تعقدها الفصائل المسلحة، وبالتالي فإن هذا لا يؤهل هيئة المفاوضات في الثبات على وثيقتها التأسيسية القاضية بـ "أن يغادر بشار الأسد، وأركان ورموز حكمه، سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية".

سيحضر الاجتماع عدد من الدبلوماسيين الغربيين، وخبراء من الأمم المتحدة، لوضع هيئة المفاوضات تحت الأمر الواقع، فهي تكاد لا تجد حليفاً دولياً لها اليوم، حتى السعودية التي تستضيف الهيئة في عاصمتها الرياض صدر من وزير خارجيتها "عادل الجبير" ما يتفق مع التصريحات الدولية حول مصير الأسد.

والهيئة أُبلِغت وستُبَلَّغ مرة ثانية في بروكسل أنّ استمرارها على موقفها سيكلفها انتهاء الاعتراف بها الوارد في القرار 2254، وأن جنيف 8 سيعقد بحضور منصات موسكو والقاهرة وأستانا، ومنصة المجتمع المدني، والاستشارية النسائية، كما ستوجّه الدعوة لمكونات هيئة المفاوضات التي لها موقف مغاير للموقف المعلن للهيئة، مثل هيئة التنسيق، والمستقلين، كما سيتم توجيه الدعوة للفصائل العسكرية المشاركة في مسار أستانا، بالإضافة إلى مليشيات "ب ي د" الكردية.

سيكون الخاسر الأكبر هنا الائتلاف الوطني السوري الذي كان ممثلوه هم الكتلة الرافضة لوثائق لوزان، لذا يجري التركيز على دعوة أعضائه في هيئة المفاوضات لاجتماع بروكسل.

الخاسر الثاني سيكون المجلس الوطني الكردي الذي سيفقد التمثيل الحصري للأكراد في مفاوضات جنيف الذي كان يتمتع به سابقاً، لذا يعمل المجلس الوطني الكردي على المشاركة في مؤتمر الرياض 2 القادم بوفد منفصل عن الائتلاف، تمهيداً لاعتباره كمنصة مستقلة مثل باقي المنصات، فالمجلس الوطني الكردي إلى اليوم غير موافق على وثيقة هيئة المفاوضات التأسيسية، ولا على رؤيتها السياسية التي قدمتها في لندن.

سيكون اجتماع بروكسل اجتماعاً تاريخياً فيما لو حدث خرق في قضية قبول بقاء بشار في منصبه في المرحلة الانتقالية، فهو تنازل مُهين لهيئة المفاوضات، يُفقدها مصداقيتها بشكل كامل في صفوف الشعب السوري، وهو سيعني إجماع المعارضة على القبول بهذا البند.

المطلوب من هيئة المفاوضات، ولا سيما أعضاء الائتلاف الوطني، وممثلو الفصائل المسلحة فيها، أن تعي جيداً هذه اللحظة التاريخية في عمر الثورة، ولو كلّفها ذلك ما كلّفها سياسياً، فباقي المنصات حتى لو قبلت بهذا البند، فقبولها لن يعني شيئاً، ولا قيمة حقيقية له، فهو عودة لنقطة الصفر في الثورة التي خرجت لإزالة رأس النظام، وأركان ورموز حكمه، الذين مارسوا كل أنواع الإجرام خلال السنوات الماضية، والذين ليس لهم مكان إلا المحكمة الجنائية الدولية.