السبت 2021/05/01

الأمم المتحدة……نهاية اللعبة في سوريا!

لعلّه من سخريات العالم الكبرى أن يفتتح ميثاق الأمم المتحدة بجملته الشهيرة "نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا، أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي في خلال جيل واحد، جلبت على الإنسانية أحزاناً، يعجز عنها الوصف" وأن ينصّ في أهمّ مقصدين للأمم المتحدة على "حفظ السلم والأمن الدوليين" وعلى "تحقيق التعاون الدولي على تعزيز احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للناس جميعاً".

حربٌ مروّعة-أيضاً يعجز عنها الوصف- شبيهة بالحربين اللتين كانتا سبب نشوء الأمم المتحدة ووضع هذا الميثاق، شنّها نظام بشار الأسد على الشعب السوري، هدّد فيها السلم والأمن الدوليين، وانتهك وبأعلى الدرجات كلّ معايير حقوق الإنسان المتفق عليها في الأمم المتحدة!!

من بين ستة عشر فيتو روسياً، وافقت روسيا على تمرير ثلاث أنواع من القرارات في مجلس الأمن، وهي لو لم تفعل ذلك لدمّرت بالكلية شرعية الأمم المتحدة، وتسبّبت في تفكيك النظام الدولي الذي أرسيت قواعده بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تحرص روسيا على بقائه، فهو الذي يضمن لها مكانتها بين الدول الخمس الكبرى، مع أنها فقدت فعلياً هذه المكانة إثر تفكك الاتحاد السوفييتي، فمجلس الأمن اليوم هو المكان الوحيد الذي يستطيع بوتين فيه مواجهة وتحدي الغرب والولايات المتحدة، وفرض إرادته، فيما هو عاجز عن فعل ذلك عسكرياً أو اقتصادياً، خارج مجلس الأمن.

النوع الأول من قرارات مجلس الأمن، كان بداية مع القرار 2118 إثر استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية في جرائم إبادة الشعب السوري، أدان القرار استخدامها، ورحّب بإنشاء الأمين العام بعثة الأمم المتحدة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية، وأيّد قرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في القضاء على برنامج نظام الأسد، كما هدّد القرار في حال عدم امتثال النظام بفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

عملت روسيا على تفريغ هذا القرار من محتواه عبر إنهاء التحقيق المشترك الذي أجرته الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، ورفضت أن يكون للتحقيق صلاحية تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. الأمر الذي اضطر بعض الدول لتشكيل آلية تحقيق منفصلة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والتي استمرت في التحقيق ونشر النتائج المتعمقة بشأن دور نظام الأسد في الهجمات الكيماوية، لكن نجاح روسيا في دفع التحقيق خارج الأمم المتحدة يقلّل من تأثيره، ويعزز جهود روسيا في احتواء تبعات استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.

النوع الثاني من قرارات مجلس الأمن، كان في مسار المساعدات الإنسانية بداية مع القرار 2139 الذي يسمح للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، بإدخال المساعدات عبر خطوط النزاع، وعبر الحدود، وإيصالها للمحتاجين من خلال أقصر الطرق، فإضافة إلى اعتداءات النظام المتكررة على قوافل المساعدات الإنسانية، ورفض مرور أنواع عديدة من المساعدات وخصوصاً الطبية منها، والامتناع عن منح تصاريح عبر المعابر التي يسيطر عليها، فقد عمدت روسيا إلى تقييد دخول المساعدات عبر أربعة معابر فقط، ثم عبر معبر وحيد حالياً، وهي تتحضّر للتصويت على إغلاقه بعد شهرين تقريباً، وبذلك تكون فعلت كما فعلت في قرار الأسلحة الكيماوية.

النوع الثالث هو مسار العملية السياسية المتمثّل بالقرار 2254، الذي وافقت عليه روسيا، لكنها ما لبثت أن عطّلت الاتفاق على تشكيل هيئة حكم انتقالية، رغم انعقاد عدد من الجولات التفاوضية بين النظام وهيئة التفاوض في جنيف، ثم عمدت لمحاولة إخراج العملية السياسية من الأمم المتحدة، وإلحاقها بمسار أستانا، والدعوة لتشكيل اللجنة الدستورية ختام مؤتمر سوتشي، لكن ومع عودة اللجنة الدستورية إلى الأمم المتحدة عملت روسيا على إفشالها أيضاً، بعد عقد خمس جولات لها، ثم هي تعلن الآن دعمها لمهزلة الانتخابات الرئاسية التي يزمع نظام الأسد إجراءها.

تجاوز هيئة الحكم الانتقالية، ثم تجاوز اللجنة الدستوريةـ، ثم تجاوز الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، يعني فعلياً نهاية القرار 2254، على غرار النوعين السابقين.

إن تصريح المبعوث الدولي السيد بدرسن في إحاطته الأخيرة 28 نيسان/أبريل 2021 أنّ هذه الانتخابات ليست جزءاً من العملية السياسية بموجب القرار 2254، وأنّ الأمم المتحدة ليست منخرطة في هذه الانتخابات، يدلّ بشكل قاطع على العجز والفشل الكبير الذي وصلت إليه الأمم المتحدة، وأنها وصلت إلى نهاية "اللعبة" التي لعبتها في سوريا، والتي كان لروسيا الكلمة الفصل فيها.

كان على بدرسن أن يطالب الأمم المتحدة بتطبيق أشد العقوبات على نظام الأسد لعدم امتثاله لقراراتها، لا بل كان يجب عليه المطالبة بتعليق عضوية النظام في المنظمة الدولية، على غرار ما فعلت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

استراتيجية روسيا كانت منذ جولة جنيف 2 عام 2014 تعطيل أي عملية سياسية ذات مغزى برعاية الأمم المتحدة، أو انتهاز فرصة إخراجها بالكلية، أو إخراج أجزاء منها، خارج أروقة مجلس الأمن شريطة أن تكون تحت سيطرتها بالكلية.

استمرار المعارضة السورية في الانخراط "الجدّي" مع المبعوث الدولي، لا يبدو أن سيأتي بشيء جديد، ولو في منظور بعيد مهما كان أمده، وعليها أن تفكّر "جدّياً" في مسار جديد بأبعاده الثلاثة: السياسية والعسكرية والتنفيذية، وأن تطرحه على المجتمع الدولي كمبادرة منها في الوصول لحل سياسي في سوريا.

الجسر للدراسات