الأحد 2019/11/17

الأسد يستجدي الروس: وافقنا على اللجنة الدستورية كبديل عن هيئة الحكم الانتقالي!!

للمرة الثالثة في غضون أسبوعين يخرج رئيس النظام السوري في مقابلات إعلامية، يركّز فيها في حديثه على اللجنة الدستورية منذ عشية انطلاق أعمالها في جنيف 30تشرين الأول/أكتوبر 2019.

الأسد يرسل رسائل عديدة في ثنايا كلامه، لكنها في معظمها مكرورة، مثل حديثه عن المؤامرة والإرهاب، والعلاقة مع الولايات المتحدة والغرب وتركيا والدول الخليجية، لذا يمكن استبعادها كدافع لهذا الظهور غير المعتاد، والذي يجب ربطه بطريقة لا شكّ فيها مع اللجنة الدستورية، فما الذي يقلقه، وما الذي يريده؟

يروق للبعض أن يقول: إن الأسد يخاطب الموالين له، لطمأنتهم أن القبول باللجنة الدستورية لا تعني هزيمته سياسياً بسبب اعترافه بالمعارضين لحكمه يمثّلون على الأقل نصف الشعب السوري الثائر عليه والمطالب برحيله من ثماني سنوات خلت، لكن سيرة آل الأسد تقول أيضاً أنهم لا يلقون بالاً للموالين لهم، ولا يكترثون بهم ولا برأيهم، فلا فرق كبير عند آل الأسد بين موالين ومعارضين لهم، وأن الموالين يكفيهم "فخراً" أنهم يوالون عائلة الأسد، ولا ينبغي لهم أن ينتظروا شيئاً أكثر من هذا الفخر.

خطاب الأسد اختلف بين المقابلة على وسائل إعلامه، وبين خطابه على وسائل الإعلام الروسية في المقابلتين التاليتين في قضية واحدة، فمن تصنيفه لأعضاء اللجنة الدستورية المعارضين بين عملاء وإرهابيين، إلى تشكيك في وطنيتهم باعتبار انتمائهم لدولة أجنبية، وأن وجودهم في اللجنة جاء بقرار دولي: أمريكي في حقيقته، تركي في واجهته، وهو ما لا يسمح لهم أن يكونوا "سوريين بالعمق" على حدّ تعبيره.

الذي واظب عليه الأسد في مقابلاته هو أنه ليس في جنيف، وأنّه لا يزال في سوتشي وفي مسار أستانا، ففي لقائه على التلفزيون السوري سأله المذيع عن تصريح المبعوث الخاص  بيدرسون أن إطلاق أعمال اللجنة هو عودة فعلية لجنيف، و "هل عدنا إلى جنيف بعد أربع سنوات؟ وماذا عن سوتشي وأستانا؟"فكان جوابه  "لا. عدنا إلى جنيف جغرافياً فقط. أما سياسياً فنحن جزء من سوتشي وكل ما يحصل هو جزء من سوتشي واستمرار لسوتشي ومرجعيته هي سوتشي. جنيف ليست موجودة، ليست جزءاً من هذا الموضوع".

في مقابلة آر تي قال أيضاً  "إذا تحدثنا عن جنيف هذه، فإنها فقط المكان، الجغرافيا، أعني أن العملية السياسية ما تزال عملية سوتشي. إنها سوتشي. لا يهم أين تُعقد هذه الاجتماعات، أو أين تبدأ المفاوضات، فهي في كل الأحوال سوتشي". وأكّد في المقابلة الثالثة أن اللجنة الدستورية هي نتاج "محادثات  أو محور سوتشي".

ما الذي يريده الأسد من رسالته هذه؟

الأسد وجد طائرتين روسيتين في مطار دمشق تحملان وفده إلى جنيف للمشاركة في اللجنة الدستورية، لكن ما الجديد؟ وفده ذهب قبل ذلك ثماني مرات إلى جنيف!

الأسد يدرك جيداً أنّ ثمّت فرق جوهري هذه المرة ، وفده طار رغماً عنه، ووفده ليس العشرة الذين يتزعمهم الجعفري طوال الجولات الماضية، هم الآن خمسة وسبعون شخصاً لا يضمن ولاءهم يقيناً، فولاؤهم موزع بين روسيا وإيران وحسابات محلية مختلفة، هذا أولاً، الأمر الثاني أنه كان يذهب إلى جنيف ويعمل ما يعمل من تعطيل لأي تقدم في الحل السياسي بالتنسيق الكامل مع الروس، والروس اليوم يتبنّون اللجنة الدستورية، وبالتالي سيدفعون قدما في سبيل نجاح العملية السياسية المبنية عليها.

الأسد يتوسل إلى الروس أن يتخلّوا عن مسار جنيف، ففي سوتشي واحد فقط من خصومه-التركي- على الطاولة، أما في جنيف فجميع خصومه هناك، وروسيا وإيران في النهاية تسعيان لتحقيق مصالحهما، وإن اقتضى أن يكون ذلك على حساب مصلحته، ولذا هو يقول للروس إن كل شيء يمكن حلّه في سوتشي أو في أستانا.

هنا أيضاً هناك جانب آخر فالأسد مرعوب من قرارات مجلس الأمن التي تحاصره في جنيف، وهي تتضمن إضافة إلى اللجنة الدستورية كلاً من هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات.

في المقابلة الأولى هاجم سلة الانتخابات بشدة قائلاً: " اللجنة الدستورية لا علاقة لها بموضوع الانتخابات. لها علاقة فقط بموضوع الدستور" وفي المقابلة الثانية شنّ هجوماً ثنائيا مضيفاً هيئة الحكم الانتقالي بقوله: "فشلت جنيف لأنها كانت تهدف إلى إسقاط الحكومة عبر «هيئة مؤقتة» - ليس من المهم ما تسميتها.. ثم يأتي تغيير الحكومة سلمياً ويسيطرون على سورية كما فعلوا في العديد من البلدان الأخرى. لذلك فشلت جنيف، ولذلك ذهبنا إلى سوتشي مع الروس. هذا هو السبب. سوتشي يحقق نجاحاً"، وأكد في المقابلة الثالثة أنه "كان هناك محور سياسي موازٍ أرادت أمريكا من خلاله أن تطرح فكرة الهيئة الانتقالية، وكان هناك رفض طبعاً من قبلنا في سورية ومن قبل كل الدول التي تؤمن بالقانون الدولي، وبناء عليه انطلقت محادثات أو محور سوتشي وأنتج اللجنة الدستورية. اللجنة الدستورية تناقش الدستور، وبالنسبة لنا الدستور كأي نص من وقت لآخر لابد من دراسته وتعديله حسب المعطيات الجديدة الموجودة في سورية. هو ليس نصاً مقدّساً. لا توجد لدينا مشكلة في هذا الموضوع، فمشينا في هذا المسار".

ما الذي يفوت الأسد هنا؟

الذي يفوته أن كلاً من بيان جنيف والقرار 2254 قد حصلا على موافقة الروس، وحتى الإيرانيين، وأن القرار 2254 بالذات قد جاء عقب بيان مؤتمر فييينا الثاني الذي شاركت فيه روسيا وإيران، وهو الذي مهّد لصدور القرار 2254، وحاز على إجماع دولي في مجلس الأمن، وأنه يقتضي إنشاء حكم انتقالي، وصياغة دستور جديد، وإقامة انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.

وعودة الروس إلى جنيف تعني اقتناعهم بعدم جدوى المضي في مسار أستانا بسبب رفض مجموعة الدول الغربية له، ولذا جاء الروس بحصيلة واحدة حققوها فيه وهي اللجنة الدستورية، وسلّموها للأمم المتحدة لتعمل على تشكيلها، وتطلق أعمالها تحت رعايتها.

والذي سيجري في جنيف أن المسار الأممي سيأخذ طريقه إلى التنفيذ بكامل بنوده، ولن يتوقف عند اللجنة الدستورية، وهذا الذي يقلق الأسد، ويدفعه للتوسل إلى روسيا لتتخلّى عن مسار جنيف، أو تحصره فقط باللجنة الدستورية إن لم تستعدها إلى سوتشي، وأن لا تسمح بفتح المفاوضات حول "هيئة الحكم الانتقالية" ولا "الانتخابات الحرة والنزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة"، ويزعم أنه وافق على اللجنة الدستورية "الروسية" كبديل عن هيئة الحكم الانتقالية "الأمريكية" والذي يغفل عنه الأسد، أو لا يريد الاعتراف به هو لو أن الروس في طور التفكير بهذه الطريقة، لما كانوا أعادوا الملفّ من أصله إلى جنيف، لو كان لهم قدرة على الاحتفاظ به في سوتشي.