الأثنين 2018/12/31

إعادة الأسد إلى الحظيرة، أم عودة سوريا إلى الجامعة العربية؟

لم تتدخّل جامعة الدول العربية لإيجاد حل يعيد الهدوء والاستقرار في سوريا، إلا بعد صدور أول بيان رئاسي لرئيس مجلس الأمن في الأمم المتحدة بتاريخ 3 آب/أغسطس 2011، بدأت بعدها الجامعة بعقد اجتماعاتها، وأصدرت عدداً من القرارات التي أشار إليها مجلس الأمن لاحقاً في أول قرار اتخذه حول سوريا برقم 2042 تاريخ 14 نيسان/أبريل 2012.

لكن الجامعة ما لبثت أن تراجعت لأسباب عديدة أهمها الانقسام الحاصل داخلها حول طريقة معالجة الملف السورية، فطريقة المعالجة قد تصبح سابقة يتوجّب تطبيقها في دول أخرى شبيهة بنظام الأسد.

أربع محطات رئيسية مرت بها جامعة الدول العربية:

المحطّة الأولى: المبادرة العربية:

صدرت المبادرة العربية بتاريخ 27 آب/أغسطس 2011 متضمنة دعوة نظام الأسد إلى الوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين وسحب كل المظاهر العسكرية من المدن، وإطلاق سراح المعتقلين، وتخلّي حزب البعث عن المادة الثامنة، وبدء الاتصالات السياسية الجدية ما بين الأسد وممثلي قوى المعارضة السورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تكون مقبولة من المعارضة، مع إعلان مبادئ واضح ومحدد من قبل الأسد يجدد ما تضمنته خطاباته من خطوات إصلاحية، يؤكد فيه التزامه بالانتقال إلى نظام حكم تعددي، وإجراء انتخابات رئاسية تعددية في العام 2014 موعد نهاية الولاية الحالية للرئاسة.

المحطة الثانية: تعليق عضوية النظام في الجامعة العربية، وسحب السفراء من سوريا:

"نظراً لعدم التزام الحكومة السورية بالتنفيذ الكامل والفوري لمبادرة جامعة الدول العربية" فقد قررت الجامعة بتاريخ 2/11/2011 تعليق مشاركة وفد النظام في اجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتباراً من 16/11/2011 وإلى حين قيامها بتنفيذ المبادرة العربية، كما دعت الجامعة الدول العربية إلى سحب سفرائها من دمشق، كذلك دعت إلى توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية ضد نظام الأسد. إضافة لذلك دعت الجامعة العربية المعارضة السورية للاجتماع في مقر الجامعة للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية تمهيداً للاعتراف بالمعارضة السورية.

المحطة الثالثة: طلب تنحّي "بشار الأسد":

في "الدورة غير العادية" المنعقدة في الدوحة 22/7/2012 واستناداً لقراراتها السابقة وقرارات الأمم المتحدة الصادرة عن مجلس الأمن وبيان جنيف 30 حزيران/يونيو 2012 قررت الجامعة "توجيه نداء إلى بشار الأسد للتنحي عن السلطة، والجامعة العربية "ستساعد على توفير الخروج الآمن له ولعائلته"، كما كلّفت المجموعة العربية في نيويورك بالدعوة إلى عقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت قرار "الاتحاد من أجل السلام"، ومطالبتها بإصدار توصيات بإجراءات جماعية لمواجهة الوضع المتدهور في سوريا مثل إنشاء مناطق آمنة، كما طالبت بدعوة دول العالم بقطع جميع أشكال العلاقات الدبلوماسية والاتصالات مع نظام الأسد.

المحطة الرابعة: الاعتراف بالمعارضة وتسليمها مقعد سوريا:

مرًت هذه الخطوة عبر مرحلتين، كانت الأولى في القاهرة بتاريخ 12/11/2012 بعد يوم واحد من تشكيل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في الدوحة، حيث رحّبت بهذا الاتفاق الذي توصّلت إليه المعارضة، وحثّت المنظمات الإقليمية والدولية على الاعتراف به "ممثلا شرعيا لتطلعات الشعب السوري"، وتوثيق التواصل معه باعتباره الممثل الشرعي والمحاور الأساسي مع الجامعة، وتقديم الدعم السياسي والمادي له.

المرحلة الثانية كانت في القرار رقم 7595 تاريخ 6/3/2013 في التأكيد على اعتبار الائتلاف "الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية"، ودعت الائتلاف إلى تشكيل هيئة تنفيذية لشغل مقعد سوريا في الجامعة ومنظماتها ومجالسها وأجهزتها للمشاركة في قمة الدوحة التي ستنعقد يومي 26-27/3/2013، إلى حين إجراء انتخابات تفضي إلى تشكيل حكومة تتولى مسؤوليات السلطة في سوريا، وذلك تقديراً لتضحيات الشعب السوري، وللظروف الاستثنائية التي يمر بها.

ختام هذه المحطة الرابعة كانت في البند الثالث من القرار السابق في "التأكيد على حق كل دولة وفق رغبتها تقديم كافة وسائل الدفاع عن النفس بما في ذلك العسكرية لدعم صمود الشعب السوري والجيش الحر".

ما الذي يجري الآن عربياً؟

تعتبر الزيارة الخاطفة للرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، ولقاء بشار الأسد هناك نقطة تحوّل في الموقف العربي، تبعها إعلان من هنا وهناك عن إعادة فتح سفارات، وتسيير رحلات جوية، وكان قد سبق ذلك إعادة فتح معبر نصيب الحدودي المحاذي للمملكة الأردنية، مع حديث يدور في أروقة الجامعة عن نية بعض الدول طلب إعادة عضوية المقعد لنظام الأسد.

هل القضية إعادة الأسد إلى حظيرة نادي الزعماء العرب، أم عودة سوريا إلى عصبة جامعة الدول العربية؟

منح عضوية الجامعة العربية لدولة ما أو حرمانها منه ليس مكسباً ولا خسارة لهذه الدولة، فالأمر لا يترتب عليه أي آثار سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، فلا اتفاقية دفاع مشترك على غرار الناتو، ولا تكامل اقتصاديا كما فعل الاتحاد الأوروبي، واعتراف الجامعة بدولة لا يؤهلها لتكون عضوا في الأمم المتحدة، وسحب الاعتراف أو المقعد من دولة لا يؤثر في عضويتها في الأمم المتحدة، هذه العضوية الوحيدة التي تسعى الدول الحديثة التكوين للحصول عليها، والمثال الأظهر هو دولة فلسطين، فمع أنها عضو في جامعة الدول العربية، إلا أن هذا لم يؤهلها لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة إلى يومنا هذا.

إذن ليست القضية قضية مقعد أو عضوية في الجامعة، لذا بدا الأسد غير مهتم بكل قرارات الجامعة العربية وضرب بها عرض الحائط، ولم يستجب لشيء منها.

ما فعله الأسد بشعبه كان سيفعله الكثير من الزعماء العرب، العلامة الفارقة أن الجميع افترض أن الشعب السوري سيتراجع عن ثورته تحت وطأة العنف المبكر الذي مارسه الأسد، قبل أن يصل به الحال إلى ذلك المستوى من الإجرام والتدمير الشامل، والإبادة الجماعية، لكن السوريين على خلاف المتوقع استمروا، كان الأمر أشبه بمعجزة، تنحّي الرئيسين التونسي والمصري استطاع إخفاء الوجه الحقيقي لنادي الزعماء العرب، ومن هنا جاءت رغبة هؤلاء بتنحّي الأسد قبل أن يفضحهم، لكن الأسد أمعن في إحراجهم فهو يعلم أنهم ليسوا أفضل حالاً منه، وأنهم لن يتجاوزوا حالات الندب والشجب، ولن يصلوا بالأمم المتحدة إلى الفصل السابع الذي يطيح به من السلطة، لأن هذا سيلحق بهم، وسيكون مصيرهم فيما لو تعرضوا لاحتجاجات من شعوبهم كما حدث في سوريا.

المشكلة قد تكون أيضاً في زعماء آخرين خارج النظام العربي، من مجتمعات تدّعي الحرية والديمقراطية، ظهر أنها تفضّل العمل مع الديكتاتور الذي يحقق مصالحها بغضّ النظر عن حجم الانتهاكات التي يمارسها بحق الشعب الذي يحكمه.

الذي يفسّر المشهد العربي نوعاً ما هو خارطة الزعماء الذين يعملون على إعادة تأهيل الأسد وطيّ صفحة جرائمه، فهم بين زعيم جاء بانقلاب على سلطة شرعية منتخبة مثل رئيسي مصر وموريتانيا، وزعيم جاء بانقلاب وهو مطلوب لمحكمة العدل الدولية كالرئيس السوداني، وآخرين يتزعمون دولاً فاشلة خاضعة لإيران مباشرة أو بالوكالة مثل العراق ولبنان، أو زعيم جزائري يتجهّز لولاية رئاسية خامسة رغم عجزه شبه التام عن ممارسة أعماله، أو زعماء مأزومين داخلياً أو بسبب حرب عبثية يشاركون فيها مثل السعودية والإمارات، هؤلاء الزعماء وأمثالهم حين يعيدون الأسد إلى حظيرتهم فهم كأنما يثبّتون أنفسهم في مواقعهم داخل هذه الحظيرة، ويرسلون الرسائل الواضحة إلى شعوبهم ألّا تحذوا حذو الشعب السوري، في محاولة إسقاط النظام، فقوانين الحظيرة تمنع من ذلك.