الخميس 2020/07/30

أيّهما أهمّ للأسد.. “مجلس الشعب” أم “الجيش والأجهزة الأمنية”؟

في بلد مثل سوريا تغيب فيه الحياة السياسية منذخمسين عاماً، بعد انقلاب عائلة الأسد على السلطة فيها، وتكريسهم لحكم ديكتاتوري عسكري، فوجود شيء بمسمى انتخابات على أي مستوى كان، صار في عرف السوريين، وعند المجتمع الدولي، أنها واحدة من السخافات، التي يمكن أن تكون محطة تندّر عابرة.

لكن الحقيقة ليست كذلك، فالنظر في مهام "مجلس الشعب" الذي انتهت انتخاباته قبل أيام، تدلّ على أنه من الأدوات الإجرامية الكبرى الضاربة للنظام، والتي يحتاجها حاجة قصوى،ولا تقلّ في أهميتها عن "الجيش والأجهزة الأمنية" التي ارتكبت أعلى أنواع الانتهاكات بحق الشعب السوري، وخصوصا في سنوات الحرب العشر الماضية.

كيف ذلك؟

تحدد المادة 75 من الدستور السوري اختصاصات "مجلس الشعب"، وتسند إليه مهام:

1- إقرار القوانين.

2- مناقشة بيان الوزارة.

3- حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء.

4- إقرار الموازنة العامة والحساب الختامي.

5- إقرار خطط التنمية.

6- إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تُحمل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها أو التي تتعلق بعقد القروض أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة ويتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد.

7- إقرار العفو العام.

الفقرة الأولى: إقرار القوانين، تعني أن بشار الأسد حسب الصلاحية الممنوحة له في المادة 112 التي تنص على أنه "لرئيس الجمهورية أن يُعد مشاريع القوانين ويُحيلها إلى مجلس الشعب للنظر في إقرارها"، يتمكن من تغطية جميع القوانين الجائرة التي يصدرها، مثل قوانين نزع الملكية وغيرها، ويتنصّل من تبعاتها القانونية، بإحالتها إلى مجلس الشعب، ليصبح المجلس صاحب المسؤولية القانونية الكاملة مستقبلاً عن أي تبعات قانونية تنتج عنها.

الفقرة الرابعة: إقرار الموازنة العامة والحساب الختامي، تعني في بلد تسيطر عليه مافيات عائلة الأسد اقتصاديا، وتنهب ثرواته بشكل ممنهج ومنظم، فإن كل هذا النهب والفساد يتم تغطيته عبر إقرار مجلس الشعب للموازنة العامة والحساب الختامي، بحيث تمنع أي أحد آخر من محاولة إثارة الأسئلة أو الشكوك حول ثروات البلاد، وسبب وصول ما يقارب 83% من السوريين إلى ما تحت خط الفقر.

الفقرة السادسة: تعني أن المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمها بشار الأسد مع الروس والإيرانيين مقابل حماية نظامه، وأن عقود بيع واستثمار الموانئ مثل اللاذقية وطرطوس، والقواعد الجوية والبرية مثل حميميم، ومناجم الثروات المعدنية، وحقول النفط والغاز، ولمدد طويلة، والامتيازات الممنوحة للشركات الروسية والإيرانية، كل هذا أصبح قانونيا بفعل إقرار مجلس الشعب له، وهذا يبرّئ ساحة الأسد، ويجنّبه الاتهام بالخيانة العظمى لو أن الأمور تجري مجراها الصحيح في البلاد، كما وأنها تعدّ جريمة كبرى بحق الشعب السوري الذي سيدفع ثمن هذه المعادات والاتفاقيات لأجيال قادمة.

الفقرة السابعة: إقرار العفو العام، هذه واحدة من الأدوات الأساسية التي ترتكب بها الانتهاكات والجرائم في سوريا، حين يعلم عناصر "الجيش والأجهزة الأمنية" أنهم آمنون من الملاحقة والمساءلة والمحاسبة عبر قوانين العفو العام التي يصدرها بشار الأسد بين الفينة والأخرى عنهم، ويحيل قانون العفو العام إلى "مجلس الشعب" لإقراره، ليس ثمّة فرق جوهري هنا بين من يعذّب ويقتل وينتهك الأعراض، وبين من يغطي جريمته بالعفو عنه، قانون العفو لا يختلف شيئاً عن الأسلحة الكيماوية والطائرات والمدافع التي تبيد الشعب السوري كل يوم.

الوجه الثاني لحاجة الأسد لـ "مجلس الشعب" هو وجوده واستمراره كرئيس للبلاد، ومنحه الشرعية اللازمة لذلك، فرئيس المجلس حسب المادة 85 هو الذي يدعو " لانتخاب رئيس الجمهورية" أولاً، وأنه "لا يقبل طلب الترشيح إلا إذا كان طالب الترشيح حاصلاً على تأييد خطي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب" ثانياً، وأنه " تُعلن نتائج الانتخاب من قبل رئيس مجلس الشعب" ثالثاً، إذن إجراءات تنصيب الرئيس تمر أساساً عبر المجلس، ويرافقها مهزلة استفتاء شعبية شكلية محسومة النتائج سلفاً.

ومع أن المادة 113 تعطي الحق لرئيس الجمهورية أن يتولى "سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، أو أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك، أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلاً" إلا أن عائلة الأسد لم تفعل ذلك يوما، بل بقيت حريصة على تغطية كل خطوة من خطواتها عبر المؤسسات التشريعية والقضائية، وهو ما يدلّ على أنّه يستخدمها بنفس الطريقة التي يستخدم بها الجيش والأجهزة الأمنية، ومن هنا تأتي الأهمية التي يجب النظر بها إلى مجلس الشعب، واعتباره فرداً فرداً، واحداً من الأدوات القمعية التي يجب أن تطالها العقوبات الدولية، وأن يخضعوا للمساءلة والمحاسبة جميعاً في المستقبل.