الأثنين 2020/07/06

أخطر وثيقة كردية رسمية عن “الحزام العربي” في الجزيرة السورية

وثيقة مهمة للغاية تلك التي أصدرتها " الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي في سوريا" بتاريخ 23/6/2020 بعنوان

"بيان في ذكرى الحزام البعثي العنصري".

أهمية الوثيقة تأتي من كونها تحدد معالم واضحة ودقيقة "زمانية ومكانية" لما يسمّيه المجلس الوطني الكردي على الأقل بالقضية الكردية في سوريا.

الحديث هنا لن يتطرّق إلى مزاعم وادّعاءات بوجود تاريخي لشعب ما، في مكان ما، في زمان ما، بغضّ النظر عن الإخوة الكرد، فهذا الأمر يسهل على كل أحد كتابته وترويجه اليوم خصوصاً في ظل الفوضى التي تعيشها سوريا، والتي وصلت إلى حدّ الفوضى والعبثية  الفكرية، في ما يُكتب ويُنشر، ويبدو أنّ الإنسان القديم تعرّض في مرحلة من مراحل حياته إلى تزوير التاريخ، ولذا كتب تاريخه الذي يتجرأ على نشره على صخور الجبال، والذي كان يخشى نشره، أو يخشى طمسه ذهب لتدوينه داخل الكهوف والمغاور، وهذه معضلة ستبقى تواجه الكرد في الآثار التي تعطيهم الحقّ التاريخي في الجزيرة السورية.

زمانيّاً: تتحدث وثيقة المجلس الوطني الكردي عن بدء المشكلة في 24 حزيران 1974 حين أصدرت القيادة القطرية لحزب البعث الأمر بتطبيق مشروع "الحزام العربي" ومع أنّ شعار "الحزام العربي" كان واحداً من الشعارات الزائفة، والضوضاء البعثية المعهودة، التي ملأ بها حزب البعث الساحة ضجيجاً، مثله مثل "شعارات الوحدة العربية والحرية والاشتراكية وتحرير فلسطين"، إلاّ أنّ المهم هنا اعتراف المجلس الوطني الكردي بعدم وجود مشكلة في المنطقة ما قبل عام 1974 أو على أبعد تقدير ما قبل عام 1966 الذي تقول الوثيقة إنه تمّ فيها الإيعاز  "باتخاذ الإجراءات والتدابير الإستثنائية تمهيداً لتنفيذ هذا المشروع".

زمانيّاً أيضاً العودة 100 عام فقط إلى الوراء أي إلى عام 1920 حين كانت سوريا تحت الانتداب الفرنسي، ولم يكن هناك سياسات "شوفينية" بعثية، "تطمس حقيقة الوجود الكردي، وتغيّر معالمه الديموغرافية" وثائق 1920 ستعطي صورة دقيقة للتركيبة السكانية للجزيرة السورية قبيل لحظة ترسيم الحدود الشمالية مع تركيا.

مكانيّاً: هناك العديد من الأمور المهمة:

أولاً: وثيقة المجلس الوطني الكردي تُخرج من حسابات "القضية الكردية" كامل محافظتي الرقة ودير الزور، وتتحدث فقط عن محافظة الحسكة، هذا يعني أن الوجود الكردي الحالي عبر ميليشيات "ب ي د" يعتبر احتلالاً بقوة السلاح لهاتين المحافظتين، ويعطي أهلها الحق باتخاذ السبل المشروعة لطردها منها، كما تحمّل هذه الوثيقة المجلس الوطني الكردي تبعات أي اتفاق أو تفاهم مع ميليشيات "ب ي د" حول حكمها أو إدارتها، كما ورد في البيان المشترك بينهما الصادر في 16/6/2020.

ثانياً: هذه الوثيقة أيضاً تعتبر اعترافاً من المجلس الوطني الكردي، وتراجعاً عن إدخال مناطق في محافظة الرقة في مسمّيات "المناطق الكردية" حسب تسميته، مثل منطقة تل أبيض، وهو اعتراف بطبيعة الحال  بارتكابه عملاً يشبه ما يتهم به النظام في تعريب أسماء البلدات والقرى، إذ عمد إلى تغيير اسم مدينة تل أبيض إلى اسم كردي، لمحاولة طمس هويتها العربية، وسلبها من أهلها.

ثالثاً: هذه الوثيقة تعترف أيضاً أن المناطق الأخرى في سوريا خارج محافظة الحسكة، التي تضم وجوداً كردياً، لم تكن مشمولة بالحزام العربي، وأنها حافظت على تركيبتها السكانية بين بلدات وقرى عربية، وكردية، وتركمانية، وآشورية، أو مختلطة، الحديث هنا بشكل رئيسي هو حول عين العرب وعفرين، التي اعتبرتها ميليشيات "ب ي د"، كانتونين كرديين إضافيين إلى جانب كانتون القامشلي حسب تقسيماتها.

رابعاً:  في محافظة الحسكة، تقول الوثيقة حرفياً أن السلطات السورية عام 1974 "قامت ببناء 40 مستوطنة في الشريط المحاذي للحدود مع تركيا من عين ديوار في أقصى الشرق الى غرب مدينة سري كانييه من محافظة الحسكة، واستملكت الأراضي بإجراءات زجرية و التي تعود ملكيتها للكرد ضمن هذا الشريط بطول ما يقارب 275 كم وبعرض 10-15 كم واستقدمت آلاف العوائل من العشائر العربية من منطقتي الرقة وريف حلب ووطنتها في هذه المستوطنات".

الأمر الأول هنا وجود دراسات عديدة تشير إلى أن هذا هو حجم ما حدث على الأرض فعلاً بما سمّاه حزب البعث "الحزام العربي" وهي تشير إلى شريط حدودي ضيق، تم إدخال 40 قرية عربية إليه تضاف إلى أكثر من 1600 قرية عربية في محافظة الحسكة مقابل ما يقارب 450 قرية كردية، هذه القرى الجديدة ضمّت 4000 عائلة عربية من ضفاف الفرات بسبب بناء السد، وبلغ التعداد الكلي لهذه العوائل ما يقارب 24000 نسمة، أي أن ما حدث كان فعلاً ضوضاء بعثية أكثر منه مشروع حزام عربي لم تكن سوريا بحاجة إليه، فلطالما كانت المنطقة ذات أغلبية عربية.

الأمر الثاني  أن الأراضي الموزّعة على العرب لم تؤخذ من الملكيات الكردية حصرياً، وإنما خضعت لقانون الإصلاح الزراعي الذي طُبّق على جميع الملّاك الكبار بغضّ النظر عن هويتهم، بل إن معظمها -وحسب مصطلحات البعث- كانت من "الإقطاعيين" العرب والمسيحيين، كما كانت من الإقطاعيين الكرد.

الأمر الثالث أن حجم الأراضي الموزعة في هذا الشريط الحدودي وحسب قانون الإصلاح الزراعي قد لا يتجاوز 400 ألف دونم بواقع 100 دونم لكل عائلة، أي 400 كيلومتر مربع من محافظة مساحتها أكثر من 23 ألف كيلومتر مربع، ومن شريط تتحدث عنه الوثيقة الكردية تقارب مساحته 3 آلاف كيلومتر مربع فقط.

إصلاح هذا الخلل الذي وقع في سبعينيات القرن الماضي أمر ليس بالعسير، ويمكن فعله بطرق قانونية متعددة، لكن في كل حال يجب فصل هذا الملف عن الطموحات السياسية إن كان للمجلس الوطني الكردي أو لميليشيات "ب ي د"، وفي التوقف عن اعتباره كافياً للمطالبة بدولة كردية مستقلة، أو إدارة ذاتية.

وهذه الوثيقة الصادرة عن المجلس الوطني الكردي يجب اعتبارها وثيقة رسمية تدخل في المفاوضات التي تجري بين الأطراف الكردية والعربية في المعارضة السورية، وفي وثائق المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة.