الثلاثاء 2020/02/04

105 دول تطالب بتعليق حق النقض في حالة ارتكاب فظائع جماعية

في الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة كانت الجلسة بعنوان "صون السلام والأمن الدوليين، التمسّك بميثاق الأمم المتحدة"حضرها ما يقارب 200 بين رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء وممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

كانت الجلسة مخصصة لمناقشة ميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر الوثيقة التأسيسية لهذه المنظمة، والتي يستند إليها مجلس الأمن في قراراته التي يتخذها. والتي تحدثت العديد من الدول عن ضرورة إدخال تعديلات عليها ليكون الميثاق "مواكباً للواقع العالمي الراهن" والتذكير بأن آخر تعديل حصل قبل 47 عاما من اليوم.

بعد كلمات الأمين العام، ورئيسة مجلس الحكماء، ورئيس مجلس الأمن قفزت الحرب في سوريا  إلى الواجهة فوراً في الكلمة الثانية للدول المشاركة، وركّزت على قضية دقيقة ورأت فيها عيباًخطيراً يشوب الميثاق وأنه بحاجة إلى إصلاح عاجل لتصبح الأمم المتحدة ومجلس الأمن في الموقع الصحيح الذي يمكّنها من أداء دور أفضل بكثير مما هو عليه الآن في صون السلم والأمن الدوليين.

وزير خارجية جمهورية إستونيا تحدث بصراحة عن أهمية "أن يشارك مجلس الأمن، ويتخذ الإجراءات في حالات الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي" وقال "ولم يكن الأمر كذلك فيما يتعلق بالمأساة في سورية، حيث استخدم حق النقض مراراً وتكراراً، ولذلك نعلم أن أبناء الشعب السوري يدفعون أغلى ثمن ممكن" وأضاف في ختام كلمته  "الذين يملكون أدوات وامتيازات خاصة يمنحها الميثاق، يتحملون أيضاً مسؤولية خاصة، لاسيما حين يتعلق الأمر بحق النقض، وتعتقد إستونيا أنه يجب أن تمتنع الدول عن التصويت ضد أي مبادرات تهدف إلى منع أو وقف الفظائع الجماعية، ويجب أن يكون مجلس الأمن مثالاً يحتذى به".

عاد مندوب فرنسا وهي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التي تملك استخدام حق النقض الفيتو للتذكير بالمبادرة التي قدمتها فرنسا والمكسيك عام 2013 والتي دعت فيها إلى "تعليق حق النقض في حالة ارتكاب فظائع جماعية، في شكل التزام سياسي وطوعي وجماعي من جانب الأعضاء الخمسة الدائمين، وأنّه "حتى الآن انضمّت 105 دول أعضاء إلى هذه المبادرة" ودعا "جميع الدول للانضمام إليها".

ممثلة بريطانيا في مجلس الأمن وهي واحدة أيضاً من الدول التي تملك حق استخدام الفيتو أكّدت على موقف بلادها من مسألة إصلاح حق النقض، بأن المملكة المتحدة من الأعضاء "الموقّعين على مدوّنة قواعد السلوك للمساءلة والاتساق والشفافية، التي تلزمنا بعدم التصويت ضد الإجراءات الجديرة بالثقة التي يتّخذها مجلس الأمن لوقف الفظائع الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية".

المندوب الروسي الذي رأى أن بلاده هي المقصودة بهذا "التعسّف" في استخدام الفيتو الذي تملكه، لحماية النظام السوري من الفظائع والجرائم التي يرتكبها على مدار تسع سنوات مضت منذ بدأت الثورة المطالبة برحيله عام 2011، وأنه لا بد من رفض أي محاولة لإصلاح استخدام حق النقض، ولذا ذهب لمهاجمة "محاولات مجموعة صغيرة من الدول لاغتصاب عملية اتخاذ القرارات" بزعزعة القواعد التي يعمل وفقها مجلس الأمن، وضرب مثالين خاصين بالحالة السورية:

الأول: أنه في أعقاب المحاولة الفاشلة في إدانة النظام بالاستخدام المتكرر الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً في عمليات إبادة الشعب السوري_بالطبع حدث ذلك بسبب الفيتو الروسي_ حدثت "عملية تلاعب صارخ" حين تمّ منح الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة سلطة تحديد من المسؤول عن استخدام الأسلحة الكيميائية، واعتبر ذلك تعدٍّ على سلطات مجلس الأمن.

الثاني: تمثّل في إنشاء الآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشدّ خطورة وفق تصنيق القانون الدولي المرتكبة في سوريا، واعتبر ذلك أيضاً تجاهلاً لسلطة مجلس الأمن، ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.

كانت سوريا أول مثال تتحدث عنه ممثّلة الولايات المتحدة في ردها على المندوب الروسي مؤكدة على ضرورة تعزيز ضمان مساءلة الذين يستخدمون الأسلحة الكيميائية ضدّ أبناء شعبهم، ويجبرونهم على الفرار من بلدهم.

مندوب أوكرانيا تطرّق في إشارة إلى روسيا وعدوانها على بلاده، أنّ واضعي الميثاق قبل 75 عاماً توخّوا في المادة 27 نيّة إزالة إمكانية قيام عضو في المجلس بالتصويت عندما يكون هناك تضارب واضح في المصالح، وأن هذا الجزء الأساسي من الميثاق غالباً ما يتمّ إغفاله من أجل النفعية السياسية.

ممثّلة ليتوانيا بدورها بعد حديثها عن الاعتداءات المتكررة من روسيا على جيرانها مثل أوكراني وجورجيا، أشارت إلى أنّ تقييد حق استخدام حقّ النقض الفيتو من شأنه أن يجعل استجابات مجلس الأمن للأزمات المستمرة أكثر اتّساقاً وموثوقيّة، وأن ليتوانيا تؤيّد بقوة المبادرة الرامية إلى الحدّ من استخدام حق النقض في الحالات التي تتضمّن ارتكاب فظائع جماعية أو إبادة جماعيّة أو جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية. وأنه لا يمكن استخدام حقّ النقض ضدّ العدالة التي التي يجب أن تسمو على أي تلاعب سياسي.

ممثّلة ليختنشتاين أكّدت  أنه زاد خلال العقد الماضي استخدام حق النقض بشكل ملحوظ، وخاصة فيما يتعلّق بالوضع في سورية، وتأثيره التعجيزي، وعواقبه السلبية على قدرة المجلس على أداء مهامّه.

الأمر المهم الذي طرحته ممثلة ليختنشتاين أن بلادها تؤيّد "انعقاد الجمعية العامة تلقائيّاً كلّما تمّ استخدام حقّ النقض في مجلس الأمن" لمناقشة هذا الاستخدام.

مندوب لاتفيا قال أيضاً إنّ استخدام حقّ النقض ينبغي ألّا يكون مقبولاً في الحالات التي تنطوي على ارتكاب الفظائع الجماعية، وأنّه ينبغي لمجلس الأمن أن يتكلم بصوت واحد في رفض الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالمعاناة الإنسانية والفظائع الجماعية التي وقعت في سوريا، وتأييدها للآلية الدولية في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في سوريا.

ممثّلة ألبانيا رأت التشديد على أن العضوية في مجلس الأمن مسؤولية وليست امتيازاً، وأنها تعني ممارسة تلك المسؤولية بالنيابة عن جميع الأعضاء في الأمم المتحدة في ضوء مقاصد الميثاق ومبادئه، ولذلك فإن استخدام حق النقض لحماية المصالح الوطنية الضيقة في حالات الفظائع الجماعية أمر مرفوض.

ممثّل الأورغواي ذكر أن استخدام حق النقض لحماية المصالح الوطنية البحتة عندما ينتهك القانون الدولي يترك أشدّ المتضررين في أيّ نزاع -وهم السكان المدنيون_ دون حماية قانونية.

مندوب كوستاريكا قال: يجب توخّي الحذر الشديد إزاء استخدام أدوات مثل حق النقض _سواء كان ضمنياً أم صريحاً_ لأنها تشوّه الأغراض التي أنشئت لأجلها، وتمنع الأمم المتحدة من التصدي للتحديات العالمية، وأنه عندما يلجأ عضو دائم إلى استخدام حق النقض أو التهديد باستخدامه، فإنه يدير بذلك ظهره علناً لحقّ الضحايا في العدالة والسلام، ويقوّض الجهود الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب، وأنه حين يتعلق الأمر بارتكاب الجرائم الفظيعة، يعتبر خيانة لثقة الملايين من الأشخاص في الأمم المتحدة بوصفها آخر مصدر للأمل بالنسبة لهم.

مندوب أيرلندا ضرب مثالاً باستخدام حق النقض في الحالة السورية عن عجز مجلس الأمن عن الوفاء بالتزاماته في الوقت الراهن.

مندوب كرواتيا أعلن ترحيب بلاده بالمبادرة الفرنسية المكسيكية التي سيلتزم بموجبها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن بالامتناع عن ممارسة حق النقض في الحالات التي يثبت فيها ارتكاب الفظائع الجماعية.

إذن كانت هذه هي الأجواء السائدة في جلسة مجلس الأمن بمناسبة مضي 75 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، والتي يظهر فيها بوضوح السخط الدولي على استخدام روسيا لحق النقض بلغ 14 مرة في تسع سنوات لحماية النظام السوري بوتيرة تفوق ضعف استخدام الولايات المتحدة لحق النقض في تغطية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

لكن هل يمكن تغيير قواعد العضوية  والتصويت في مجلس الأمن؟ والجواب نعم، أو بالأحرى لا بدّ من ذلك بعد هذه المدة الطويلة ودخول ثلاثة أضعاف عدد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة البالغ عددهم 51 عضوا فقط عند التأسيس فيما هم الآن يقتربون من 200 عضوا.

مجلس الأمن يوم التأسيس تكوّن من الأعضاء الخمسة الدائمين إضافة إلى ست دول غير دائمة العضوية، وحين ارتفع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 1965 إلى 117 عضوا تم زيادة 4 مقاعد غير دائمة العضوية، ولم يتم تغيير على ذلك بعدها، وبحسب النمو الحاصل اليوم، فإن عضوية مجلس الأمن ينبغي أن تتعدى 25 عضوا، مع إلغاء حق النقض بسب تغيّر الأوضاع عن تلك التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، أو جعل هذا الحق مسؤولية جماعية وليس فردية، أو إدخال تقييدات على حق استخدامه، أو إيجاد آليات لإبطاله في حال عدم موافقته لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة.

في الحالة السورية يجب على المعارضة ومؤسساتها القانونية إرسال مذكرات للأمين العام للأمم المتحدة ولرئيس مجلس الأمن تتضمن مستخلصاً عن هذه الجلسة وتطالب ببدء مناقشة منع روسيا من التصويت على مشاريع القرارات المتعلقة بالشأن السوري استنادا إلى هذه المداخلات، واستنادا إلى الفقرة 3 من المادة 27 من الميثاق التي تنص على أنه " تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت". والتأكيد على الأمين العام على رئيس مجلس الأمن أن طبيع تدخل روسيا إلى جانب النظام السوري في الحرب على الشعب السوري لا يدع مجالاً  للشك في أنها طرف في "النزاع" وبالتالي يجب منعها عن التصويت حسب ما هو وارد في الميثاق.