الثلاثاء 2019/07/16

ماذا وراء مصطلح “المدن الكردية” بسوريا في بيان المجلس الوطني الكردي؟


مركز الجسر للدراسات..


ثماني سنوات مرت والصراع متمركز بين طرفين في سوريا، بين نظام ديكتاتوري مستبد يمسك بالسلطة منذ خمسين عاما بانقلاب عسكري، ثم بتوريث عائلي، كلاهما غير شرعيين، ولا يحملان أي صفة قانونية أو دستورية، وبين شعب يطالب برحيل هذا النظام، وعودة الحياة السياسية الطبيعية التي تسمح بتداول السلطة عبر الإرادة الشعبية وصندوق الانتخابات.

أدوات النظام الكبرى خلال الخمسين عاما كانت الجيش والأجهزة الأمنية التي كانت مهمتها الوحيدة حماية عصابة آل الأسد، واضطهاد الشعب السوري وارتكاب الانتهاكات الواسعة بحقه، والتدخل في معظم مفاصل الحياة اليومية للمواطن، عدا عن المعتقلات والسجون التي كان يمارس فيها أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي، ولذا طالب السوريون أيضاً برحيل هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية، بعد أن بدأت بقتل المتظاهرين في الشوارع، وبإلقاء البراميل المتفجرة، وقصف المدن بالصواريخ والطائرات، واجتياحها بالدبابات، وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ليصل الأمر إلى الإبادة الجماعية باستخدام الأسلحة الكيماوية.

في كل ذلك بقي النظام هو الوحيد على الطرف الآخر في الصراع، لم يتهم أحد طائفة بعينها في الوقوف إلى جانبه، كان الجميع يعلم أن الأجهزة الأمنية والعسكرية فيها عناصر من شتى السوريين، وفيها من هم في الخدمة الإجبارية ممن يسوقهم النظام من الحواجز ومن بيوتهم وجامعاتهم، ولا يجدون وسيلة للهروب من جحيم المعارك التي يزجهم فيها النظام.

ورغم محاولة النظام تصوير الحرب أنها "حرب طائفية" إلا أنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، فلم تخلُ طائفة على الإطلاق من وجود معارضين فيها لنظام الأسد منذ نشأته، واستمر ذلك خلال سنوات الثورة إلى يومنا هذا.

فجأة وبدون سابق إنذار ظهر مصطلح لم يعهده السوريون على مر تاريخهم، وأقلّه بعد عهد الاستقلال في الدولة الوطنية السورية، حين وزعت "الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي في سوريا" بيانا بتاريخ 12/7/2019 تدين فيه " التفجيرات الإرهابية في المدن الكردية (عفرين وقامشلو والحسكة)".

لغة البيان تضمنت موضوعين خطيرين:

الأول: استخدام مصطلح "المدن الكردية" في أكثر من فقرة، واستخدام المصطلح بصيغة مثل " تعرضت ثلاث مدن كردية يوم أمس الخميس ١١/٧/٢٠١٩ لعمليات إرهابية"، تدل على أنه في خارطة المجلس الوطني الكردي مدناً سوريةً أخرى غير هذه المدن "الكردية" الثلاث التي وقعت فيها التفجيرات.

الثاني: الزعم أن ضحايا هذه التفجيرات والمستهدفين بها هم فقط " أبناء الشعب الكردي والإخوة المسيحيين" وتعمّد إغفال أي وجود عربي بين المستهدفين أو الضحايا، مع العلم أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد في خبره أن تفجير عفرين كان "قرب حاجز لفصائل سورية موالية لأنقرة"، هذا الزعم يصبّ في المحاولات المستمرة للمجلس الوطني الكردي في طمس الهوية المتنوعة للمنطقة الشمالية، والشمالية الشرقية، والإصرار على صبغها بالصبغة الكردية، والادعاء أن العرب أقلية فيها، ودخلاء عليها.

لماذا استخدم المجلس الوطني الكردي مصطلح "المدن الكردية" الآن؟

دائماً يتبادر إلى الذهن مع كل حدث سياسي من هذا النوع، لماذا الآن؟ والجواب بكل بساطة أنّ الإعلان عن اللجنة الدستورية بات وشيكاً من طرف المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسن"، والمجلس الوطني الكردي يقول في وثائقه إنه "يجب قبل إجراء الاستفتاء على الدستور إعادة رسم حدود المحافظات التي يعيش عليها الكُرد ويُشكّلون فيها غالبيةً سكانية"، إذن المجلس الوطني الكردي يريد تثبيت حدود إقليم "كردستان سوريا" دستورياً على غرار ما فعله المجلس الوطني الكردستاني في العراق، حين فرض في "قانون إدارة الدولة" الذي وضعه الحاكم الأمريكي للعراق "بول بريمر" إثر سقوط نظام صدام حسين، مواد مثل المادة 53 فقرة أ "يُعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى.

إن مصطلح "حكومة إقليم كردستان" الوارد في هذا القانون يعني المجلس الوطني الكردستاني. ومجلس وزراء كردستان والسلطة الاقليمية في إقليم كردستان". واستناداً إلى ذريعة " تلاعب النظام السابق أيضا بالحدود الادارية وغيرها بغية تحقيق أهداف سياسية. على الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم التوصيات إلى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة" حسب المادة 58، التي تحدثت عن " توطين الأفراد الغرباء عن المنطقة" وأوجبت " على الحكومة الانتقالية العراقية" إعادة توطينهم" في المحافظات التي قدموا منها، مع تفاصيل حول تسليمهم أراضي جديدة من الدولة، أو "تلقيهم تعويضاً عن تكاليف انتقالهم إلى تلك المناطق" ثم نصّت المادة 140 في الدستور الدائم للعراق على تنفيذ المادة 58 السابقة بكل فقراتها، وسبق قبل ذلك في المادة 117 من الدستور الدائم ما نصّه: "يقر هذا الدستور، عند نفاذه، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، إقليماً اتحادياً".

الذي يثير القلق أيضاً من بيان المجلس الوطني الكردي، ما يتم تداوله في بعض المشاريع الدستورية "الكردية" المراد طرحها على اللجنة الدستورية، والتي تتحدث عن إنشاء أقاليم ومقاطعات في سوريا عبر إعادة ترسيم الحدود الحالية للمحافظات، وإعادة تسميتها، وأن تقوم بذلك لجنة من خبراء محليين وأجانب "بقيادة هيئة الأمم المتحدة"، على أن "تراعي اللجنة خلال قيامها بذلك المعايير العرقية والدينية والمذهبية واللغوية" واستناداً إلى ذلك تضع بعض الاستثناءات على حظر "عمليات النقل الجماعي للسكان".

نعيد التأكيد على أنّ مصطلح "المدن الكردية" يعتبر الخطوة الأولى للمجلس الوطني الكردي لتثبيت حدود إقليم كردستان سوريا، وتثبيت الاعتراف به دستورياً، أسوة بالحالة العراقية، فهل يتمكن المجلس الوطني الكردي من تمرير مشروعه، أم إنه سيفتح الباب على مصراعيه لحرب أهلية عجز النظام عن إشعالها حتى الآن؟