السبت 2020/04/04

هل  ارتكب الأسد الخطأ القاتل الذي عجّل بقرار ترحيله؟

في التقرير السابق المعنون بعنوان

"هل اعترفت الأمم المتحدة أخيراً ب “سلطات حاكمة” أخرى في سوريا غير نظام دمشق؟" وتحدثنا فيه عن بيان السيد "بدرسن" المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا الصادر في 22 آذار/مارس 2020، في معرض حديثه عن مواجهة فيروس كورونا، وقال فيه إنّه "في الوقت ذاته هناك إجراءات تطبّق في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية من أجل التعامل مع هذه الأزمة، وهناك إجراءات تتخذها أيضاً السلطات الحاكمة في المناطق خارج سيطرة الحكومة"، وأنها المرة الأولى التي تستخدم فيها الأمم المتحدة توصيف "السلطات الحاكمة" أو سلطات الأمر الواقع، للجهات التي تدير المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وأنها بمثابة اعتراف من الأمم المتحدة بهذه السلطات.

عرضنا في تقرير سابق أيضاً وجود حملة منسّقة داخل مجلس الأمن للتشكيك بشرعية انفراد النظام بمقعد سوريا في مجلس الأمن، وتطالب بالاستماع لما سمّته "الأطراف السورية الأخرى" عبر وجود ممثل لهم في مجلس الأمن إلى جانب ممثل "القصر الجمهوريّ".

من المعلوم أنه يوجد الآن في الواقع ثلاث "حكومات" إلى جانب حكومة النظام على الأراضي السورية: حكومة الإنقاذ في إدلب، والإدارة الذاتية التابعة لحزب العمال الكردستاني في مناطق من شمال شرق البلاد، والحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في شمال غرب، وشمال شرق البلاد.

بيان المبعوث الخاص المشار إليه يُفهَم بشكل ملتبس بلا شكّ حول: هل يقصد الأطراف الثلاثة هذه أم واحداً منها فقط، لذا جاءت إحاطته الأخيرة 30 آذار/مارس 2020 أمام مجلس الأمن، لتوضح هذا اللبس، فكل من هيئة تحرير الشام وحزب العمال الكردستاني مصنّفان على قوائم الإرهاب، إن كان من جانب الأمم المتحدة في الأولى، أو من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وتركيا في الثاني، وهو ما يعني استبعادهما تماماً "بوضعهما الحالي" من أي ترتيبات أو تفاهمات سياسية حول مستقبل البلاد معهما.

"بدرسن"  أيضاً وفي معرض حديثه عن "الإجراءات المهمة لمواجهة فيروس كوفيد19" تطرّق إلى ما تقوم به حكومة النظام، ثم أشاد بالخطوات التي قام بها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، محدداً إيّاه بالاسم، مع إبهام ما سمّاه "السلطات المتحكّمة" الأخرى، فما الذي يعنيه هذا؟

أولاً: الائتلاف الوطني هو بحسب الاجتماع الوزاري الرابع لمجموعة أصدقاء الشعب السوري في مراكش 12 كانون الأول/ديسمبر 2012 الذي " أعلن المشاركون عن اعترافهم بالائتلاف الوطني بصفته الممثل الشرعي للشعب السوري والمظلة التي تجتمع تحت لوائها كافة مجموعات المعارضة" تلاه قرار الجامعة العربية رقم 7595 تاريخ 6/3/2013 وفيه تعتبر الجامعة الائتلاف "الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية"  ثمّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 262/67 تاريخ 4/6/2013 الذي رحّبت فيه "بإنشاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في 11تشرين الثاني/نوفمبر 2012 في الدوحة، باعتباره يضمّ المحاورين الذين يمثّلون فعلياً تلك القوى اللازمين لعملية الانتقال السياسي".

ثانياً: بدرسن في إحاطته رغم أنه كان يتحدث عن إجراءات تنفيذية في مواجهة فيروس كورونا، وهو ما تقوم به فعلياً الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف، إلا أنه تجاوز ذكرها ليركّز على الائتلاف بوصفه السياسي، وهو ما يشير إلى أنّ المقصود من ذكره هو ما يتمتع به الائتلاف من اعتراف دولي ممثلاً للشعب السوري، وهو الأمر الذي يمكن استخدامه في الأمم المتحدة في وجود ممثل آخر للدولة السورية إلى جانب نظام دمشق.

تبدو الأمور في أروقة الأمم المتحدة أنّها في تسارع لإيجاد حل سياسي في سوريا، لكن ما الذي جدّ في الملفّ السوري كي يحدث فيه هذا التسارع الملحوظ في الأشهر الثلاثة الماضية؟

عاملان اثنان قد يكونان السبب الرئيس في هذا التغيّر:

الأول: جدّيّة تركيا في فتح الطريق للاجئين السوريين باتجاه حدود الاتحاد الأوروبي، إثر نقض الروس والنظام لاتفاقيات خفض التصعيد، وشنّ حملة عسكرية على إدلب التي تؤوي ملايين النازحين من مناطق أخرى من البلاد، وفرار معظمهم من القصف باتجاه الحدود التركية.

الثاني: تلاعب النظام في مواجهة وباء كوفيد 19، ومضيّه في محاولات ابتزاز المجتمع الدولي لرفع العقوبات المالية عن كبار الشخصيات المتورطة في جرائم كبرى ضد الشعب السوري، الأمر الذي دفع على سبيل المثال موقع "فورين بوليسي" لنشر تقرير بعنوان "انتقام سوريا من العالم سيكون على شكل موجة ثانية من فيروس كورونا" وأن هذا الموجة ستضرب الشرق الأوسط بكامله، وأنها ستصل إلى أوروبا القريبة من سوريا. و هذا التقرير بالذات حذّر من  العجز الدولي الذي حدث سابقاً في منع " انزلاق سوريا إلى العنف"، ليتكرر الآن في العجز عن منع حدوث وفيات" في سوريا والشرق الأوسط وأوروبا التي لم يكن من الضروري أن تحدث". وأشار التقرير في خاتمته إلى ضرورة " وجود قادة بين اللاجئين" وهو ما يصبّ في معنى وجود تمثيل لهم يدافع عن مصالحهم وعن حياتهم من هذا التلاعب، ومن هذه المغامرة التي يقوم بها النظام.

الذي يظهر أن النظام ارتكب خطأً قاتلاً بعدم انخراطه في الجهود الدولية لاحتواء الوباء، وهو ما جعله يشكّل حقيقة هذه المرة تهديداً "للسلم والأمن الدوليين" حسب ميثاق الأمم المتحدة، فلأول مرة منذ تسع سنوات سيخرج نطاق جرائم النظام عن تهديد حياة السوريين فقط، حيث وقف المجتمع الدولي متفرجاً، إلى نطاق تهديد حياة مواطني دول الجوار بداية وعلى رأسهم "تل أبيب" ثم الدوائر الأبعد، ونعود للتذكير بأن المكالمة الإماراتية كانت رسالة تحذيرية شديدة اللهجة في هذا السياق، وأن النظام بعدها شدّد من إجراءاته الاحترازية حول الوباء من منع التجول إلى غيره، لكن يبدو أن الأوان قد فات على ذلك، وأن موضوع ترحيله صار موضوع ترتيب اليوم التالي لا أكثر.

إقرأ أيضا..

هل اعترفت الأمم المتحدة أخيراً ب “سلطات حاكمة” أخرى في سوريا غير نظام دمشق؟

المكالمة الإماراتية للأسد… تطبيع أم تحذير أخير قبل السقوط؟