الجمعة 2018/06/22

مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: يجب تصحيح خطأ منبج ويجب على النظام عقد صفقة مع الأكراد في المنطقة الشرقية

استثمار الولايات المتحدة في قوات الحماية الشعبية الكردية يعدّ قصة إيجابية مع أن الضرورة هي التي فرضت هذا التعامل لسببين:

الأول: أنها قوات مدرّبة ومتمرسة بالقتال أصلاً، فهي تخوض حرباً ضد تركيا منذ سنوات إلى جانب قوات حزب العمال الكردستاني، فيما فصائل الجيش الحر تحتاج للانخراط في برنامج تدريب للوصول إلى هذا المستوى.

الثـــــــــانــــــــي: أنها القوات الوحيدة التي قبلت الشروط الأمريكية في عدم التعرض لقوات الأسد، والتفرغ فقط لقتال تنظيم الدولة المنتشر شمال شرق سوريا.

ومع أن هذه القوات اتهمت بارتكاب انتهاكات بحق العرب والتركمان مثل التهجير القسري، وحرق وتدمير ونهب الممتلكات، إلا أن الولايات المتحدة قررت المضي في هذا الاستثمار معهم أملاً في دفعهم إلى الانفتاح على الجماعات العرقية الأخرى في المنطقة، وهو ما نجح تقريباً عند تحويل هذه الميليشيات إلى اسم "قوات سوريا الديمقراطية".

الذي دفع الولايات المتحدة إلى إجبار وحدات الحماية الشعبية الكردية التخلّي عن اسمها، وبنيتها الكردية الصرفة وتطعيمها بعناصر عربية وتركمانية وآشورية، كان بسبب تحديين رئيسيين تواجههما:

الأول: يعدّ الحزب في قائمة المنظمات الارهابية على لوائح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالتالي عدم إمكانية إمداد الميليشيات الكردية بالسلاح والعتاد اللازم لقتال داعش. وبتغيير الاسم إلى قوات سوريا الديمقراطية تفادت الولايات المتحدة هذا المأزق القانوني في التعامل مع منظمة إرهابية، وأمدّتها بالأسلحة والذخائر التي ساهمت في استعادة السيطرة على مدينة الرقة، وطرد داعش منها.

الثــــانــــــــــي: الرفض التركي القاطع لأي انتشار لهذه الوحدات غرب نهر الفرات، كان هذا خطاً أحمر ثانياً وضعه "أردوغان" إضافة للخط الأول حول تسليحها بشكل مباشر من الولايات المتحدة، في هذا الجانب حصلت تركيا على ضمانات أمريكية بعدم عبور القوات الكردية الفرات غرباً تحت أي مبرر.

هنا وقع الخطأ الفادح من قبل الولايات المتحدة والميليشيات الكردية، حسب تقدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في جلسته التي وصفت بأنها بمثابة "اجتماع حكومي أمريكي رفيع المستوى" وأنها شيء يشبه "مجلس الأمن القومي" والتي ناقشت النزاع الجاري في شمال سوريا.

كان السماح بعبور الفرات باتجاه منبج ابتزازاً أمريكياً للقوات الكردية، وصفقة مقابل موافقة الأكراد على خوض معركة الرقة والشدادي بريف الحسكة، ومطاردة فلول تنظيم الدولة في ريف دير الزور، الخديعة الأمريكية والتي وصفها مجلس العلاقات الخارجية بأنها كانت عملية لا أخلاقية تمثلّت في عدم إخبار القوات الكردية بالاتفاق التركي الأمريكي في حصر الوجود الكردي شرق النهر، وأن عملية منبج تعدّ اضطرارية لعدم قدرة فصائل الجيش الحر المنهكة من قتال النظام على طرد التنظيم منها، القوات الكردية بعد السيطرة على منبج بدأت تعُدّ العدّة لوجود طويل الأمد؛ ما أثار حفيظة تركيا، وأدّى إلى توتّر علاقاتها مع الولايات المتحدة، واستدعى إرسال وزير الخارجية السابق تيلرسون ثم الحالي بومبيو لتصحيح هذا الخطأ، وعليه استقر الأمر في الاتفاق الأخير حول منبج، وبدء العبور الثاني للقوات الكردية إلى شرق نهر الفرات، والعودة من حيث أتت.

كيف ستعوّض الولايات المتحدة القوات الكردية خسارتها لمنبج وعفرين وغرب الفرات بكامله؟

سيكون التعويض في المنطقة الشرقية من سوريا، حيث يوصي مجلس العلاقات الخارجية بعدم انسحاب القوات الأمريكية كما تحدث ترامب قبل فترة، فعلى طول نهر الفرات، الذي هو ميزة مهمة جداً سيكون الخط الأحمر الأمريكي، والخط الأمامي الذي تنشر عليه القوات الكردية لمواجهة محاولات تحركات النظام وحلفائه للسيطرة على شرق سوريا بكامله، الانسحاب سيعطي النظام وإيران هذه الفرصة، لذا فإن دعم قوات سوريا الديمقراطية يجب أن يستمر باعتبارهم سوريين، ونصف أعدادهم تقريباً من غير القومية الكردية، وباعتبارهم مجموعة لا تنتمي لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية.

الانسحاب لو حدث فإنه سيثير موجة جديدة من الحرب والنزوح والمعاناة، لقد تلقّت روسيا درساً قاسياً عندما حاول بعض المرتزقة الروس اختراق الخط الأمريكي، كان رداً أمريكياً صريحاً للغاية.

الأمر لن يقتصر على الدعم العسكري، بل ستكون هناك مشاريع استقرار، فالناس الآن لو خيّروا بين التوجه للمنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، أو العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام وإيران، فسيختارون الأولى، ويجب تعزيز هذا الأمر ستكون نموذجاً مثالياً مقابل الفوضى والكارثتين القادمتين غرب البلاد في إدلب، وعلى الجبهة الجنوبية عندما يتحرك النظام إلى هناك.

يقول المجلس: وقد أوضحنا نحن الولايات المتحدة أننا لن نفعل شيئاً لوقف ذلك في كلتا المنطقتين لأسباب وجيهة وأخرى سيئة.

ما الخطة الأمريكية المقترحة للمنطقة الشرقية؟

الخطة تقتضي استمالة القبائل العربية المنشرة هناك، يجب رشوة الناس ويجب شراؤهم، كما يجب استخدام النفوذ الأمريكي على الجميع باعتبارهم القوة المسيطرة التي تتحكم بالمنطقة، على الجانب الآخر يجب الضغط على الأكراد لقبول مشاركة حقيقية للعرب في إدارة شؤون المنطقة من خلال المجالس المحلية التي ستتشكل، وبهذه الطريقة يمكن ننزع فتيل التوترات واحتمال قيام حرب أهلية بينهم، وتفادي اتهامات تغيير التركيبة السكانية بخلق الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والنازحين إلى أراضيهم ومساكنهم.

نحن نتحدث عن ثلث مساحة البلاد، المنطقة الأغنى بالنفط والغاز والثروة المائية والزراعية، سيفهم النظام حينها أن طريقه الوحيد إلى الأمام لإعادة تشكيل اقتصاده هو من خلال عقد صفقة مع الأكراد للمنطقة الشرقية.

الصفقة بين النظام وبين الأكراد للمنطقة الشرقية.

الصفقة المحتملة يجب أن تتضمّن درجة معينة من الاستقلالية، ليس للأكراد فقط بل لكل سكان المنطقة الشرقية، بحيث تكون مجالسهم المحلية قادرة على إدارة شؤونهم الخاصة، سيتعيّن على نظام دمشق أن يفعل كما فعلت بغداد، أو شيء أقل بقليل، قد لا يكون شبيهاً بحكومة إقليم كردستان العراق، لكن سيبقى يغلب عليه طابع الكيان الكردي، ولن يحب الأتراك ذلك.

يختم مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي جلسته بالإشارة إلى أنه إذا لم تتخذ الولايات المتحدة هذه الخطوات، فإن النزاع في سوريا سيستمر لسنوات طويلة، فالأسد مستعد أن يقاتل إلى آخر سوري ما عداه.