الأحد 2019/05/19

ما الذي يجب أن تفعله المعارضة السورية مع غياب أفق الحل السياسي؟

بدأت "مجموعة دراسة سوريا" أعمالها في 28 شباط/فبراير 2019، بتكليف من مجلس الشيوخ الأمريكي بهدف "الوصول إلى فهم كامل للوضع المعقد على أرض الواقع والسياسة الأمريكية الحالية حياله"، وقدمّت تقريرها الأول مطلع هذا الشهر، بعد أن عقدت جلسات عديدة مع كبار صنّاع السياسة، وضباط الجيش ومحللي الاستخبارات في الولايات المتحدة، ومسؤولي حكومات أجنبية، ومسؤولي منظمات غير حكومية؛ وغيرهم من الخبراء السوريين والدوليين.

اللافت للنظر، وعلى عكس المتوقع، وعلى عكس سياق الأحداث التي جرت في سوريا، أن الدراسة ركّزت بشكل كبير على الأخطار والتهديدات القادمة من شمال شرق سوريا عبر تنظيم الدولة، الذي يُفترض أن الولايات المتحدة كانت قد قضت عليه إثر معركة الباغوز الأخيرة، التي مكّنت ترامب من إعلان النصر على التنظيم في سوريا، بينما أشارت بشكل بسيط إلى التهديدات التي يمكن أن تظهر شمال غرب البلاد التي تتمركز فيها "هيئة تحرير الشام" المحسوبة على تنظيم القاعدة.

عدم وجود خطر قادم من إدلب كان بسبب أمر واحد ذكرته الدراسة " أنه من غير المرجّح أن تفتح تركيا حدودها أمام اللاجئين الفارّين من العنف"، وبالتالي فلا خطر من عبور هؤلاء الفارّين إلى أوروبا كلاجئين، والموضوع سيبقى قيد تسجيل "تفاقم الأزمة الإنسانية" لا أكثر.

الدراسة تذكر اسم تنظيم الدولة 30 مرة، فيما لم تتعرض لتنظيم القاعدة إلا ثلاث مرات فقط، ومن الواضح أن تضخيم دور وخطر تنظيم الدولة يخدم السياسات الأمريكية العالمية، ويتيح كما توصي الدراسة التراجع عن قرار سحب القوات الأمريكية من شمال شرق الفرات، وذلك يتيح الضغط على إيران وتحجيم نفوذها في المنطقة، كما يتيح استمرار دعم ميليشيا "قسد" الكردية، واستمرار بسط سيطرتها على المنطقة، ومنع نظام الأسد من الوصول إلى موارد وثروات المنطقة، وبالتالي إبقاؤه في وضع اقتصادي متردٍّ، كما تبقي عبر الورقة الكردية الضغط على أنقرة، وخاصة في قضية تقاربها مع موسكو، محاولة تخريب صفقة صواريخ S400.

تبني الدراسة توصياتها على استنتاج ثان توصّلت إليه أنّ "الأسد غير مستعد لتقديم تنازلات ويعتزم استعادة سوريا بالكامل، والعملية الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة معطّلة"، وبذلك أوصت "بالاستمرار في عزل نظام الأسد من خلال العقوبات والضغط الدبلوماسي ورفض المساعدة في إعادة الإعمار" كما أوصت "بإقرار قانون قيصر وتوقيعه"، كما تخلص الدراسة إلى أنه " يجب على الولايات المتحدة أن ترفض قبول شرعية الانتخابات الرئاسية لعام 2021 في حالة حدوثها إذا غاب عنها حل وسطي وإصلاح قوي من قبل نظام الأسد ولم تتم وفقًا للمعايير الدولية ومن غير المرجح أن يوافق نظام الأسد على مثل هذه الشروط".

تمضي الدراسة مثل غيرها من الدراسات الأمريكية في ضيق النظرة نحو الحالة السورية بما يحقق الحفاظ على المصالح الغربية، والحفاظ على مكانتها ونفوذها في المنطقة، مقابل روسيا بشكل رئيسي، ثم إيران وتركيا بشكل ثانوي، والذي يهمّ المعارضة السورية من هذه الدراسة هو العناوين التالية:

أولاً: خطوط الصراع المحتملة في المرحلة القادمة

الصراع في سوريا لم ينته كما تقول الدراسة، لكنه دخل مرحلة جديدة، وإن اللاعبين الفاعلين المختلفين على الأرض يختبرون الآن خططاً جديدة قرب خطوط التماس التي تشمل إدلب، وحدود تركيا مع شمال شرق سوريا، وخط النزاع على جانبي نهر الفرات.

ثانياً: هشاشة وضعف نظام الأسد وقواته

تعترف الدراسة أن سيطرة النظام على المناطق التي استعادها غرب وجنوب سوريا هي سيطرة اسمية فقط، وأنها ضعيفة وهشّة، وأن النظام يواجه فيها تحركات مناهضة له كما هو الحال في درعا، إضافة إلى السخط على الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد.

ثالثاً: استبعاد الحل السياسي

مع أن "الأسد لم يفز في الصراع بشكل حاسم" كما تقول الدراسة إلا أنه "يُبرهن عدم استعداده لقبول أي تنازلات أو تسويات سياسية. لا يُظهر نظام الأسد أي اهتمام في تغيير سلوكه أو في استيعاب معارضته السياسية، ولو بشكل رمزي، ومن غير المرجح أن تنقلب نخبة النظام ضد الأسد، على الرغم من التقارير عن عدم رضاهم عنه". وتتحدث الدراسة بشكل قطعي عن أنه " لن تكون الانتخابات الرئاسية السورية لعام 2021 علامة فارقة في تسريع خروج الأسد من سوريا".

رابعاً: منصات العملاء شمال شرق سوريا

بطريقة شبيهة لما فعلته الولايات المتحدة غرب العراق سابقاً في إنشاء شبكات عميلة مرتبطة بالاستخبارات الأمريكية من العسكريين والمدنيين على حدّ سواء، نجد الدراسة توصي القوات الأمريكية بتوفير المساعدة الأساسية والدعم للمليشيات الكردية، كما توصي على جانب آخر ببذل الجهود لتحقيق الاستقرار المدني "لتكون بمثابة منصة محورية لجمع المعلومات الاستخباراتية ضد داعش".

ما الذي يتوجب على المعارضة السورية فعله؟

أولاً: تخفيف الاهتمام بالعملية السياسية والقرار 2254

القرار 2254 يتضمن سلال الحكم والدستور، ويتوّج العملية السياسية إجراء انتخابات رئاسية في البلاد، وما دامت الدراسة تشير إلى أن هذه الانتخابات لن تكون علامة فارقة في تسريع خروج الأسد من السلطة، فهذا يعني قناعة ضمنية من الخبراء الذين استندت الدراسة إلى آرائهم، وقد يكون هذا رأياً سائداً في المجتمع الدولي، ولذا فمن المفيد للمعارضة اليوم عدم التركيز على قضايا اللجنة الدستورية، أو الانشغال بأمور تفصيلية مثل "جندرة الدستور"، الأمر نفسه في سلة الانتخابات، وشكل الحكم والاختلاف حول الفدرالية، أو الخيار بين اللامركزية الإدارية والسياسية.

ثانياً: التركيز على تقوية الجيش الوطني وجمع الفصائل المقاتلة جميعها في صفوفه

وبما أنه لن يكون للمعارضة أي دور في اثنين من خطوط النزاع المحتملة حسب الدراسة، وهما النزاع على جانبي نهر الفرات، وحدود تركيا مع شمال شرق سوريا، فإنه يجب وضع كل الموارد المتاحة لدفع خط النزاع الثالث بعيداً عن إدلب نحو الجنوب، لتجنيب المدنيين آثار الحرب، ولرد قوات النظام إلى محيط العاصمة دمشق، ومحاصرة النظام في عقر داره، مع العمل على إعادة تعبئة مناطق المصالحات مثل درعا للعودة إلى فتح جبهاتها لتشتيت قوات النظام كما كانت عليه استراتيجية الثوار طيلة السنوات الماضية.

ثالثاً: تفعيل أذرع المعارضة المدنية الخدمية والمجتمعية

على غرار خطوط الصراع العسكرية لن يُسمح للمعارضة غالباً بالدخول إلى شمال شرق الفرات، لكنها تملك هناك أذرعاً مجتمعية مهمة على رأسها "مجلس القبائل والعشائر" وتفعيل هذه الأذرع سيمنع من إنشاء المنصات الاستخباراتية العميلة التي ستجهّز للقبول لاحقاً بأي حل تفرضه التفاهمات الدولية، ولو كان لا يراعي أدنى مطالب الشعب السوري، سواء كان بانفصال أو تقسيم أو تعديل شكلي في النظام الحالي، كما سيمنع من جانب آخر هيمنة الميليشيات الكردية على المنطقة، وتهجير أهلها منها، وإحداث تغيير ديموغرافي فيها، يسهّل على هذه المليشيات عقد صفقة مع النظام وتسليمها له، مقابل الحصول على إدارة ذاتية في بعض مناطق الحسكة والرقة.

المعارضة تملك في غرب البلاد أهم أذرعها المدنية الخدمية المتمثلة بالحكومة المؤقتة والمجالس المحلية، وهي عبر برامجها الوطنية في التنمية والاستقرار قادرة على تثبيت السكان المحليين والمهجّرين في أماكنهم، وخلق فرص العمل اللازمة لإعادة عجلة الإنتاج، والاكتفاء بالتمويل الذاتي للإنفاق على الجيش الوطني وتحصينه بالقرار المستقل في نوعية ووجهة أعماله القتالية.

صحيح أن هناك من حاول إيهام المعارضة أنها في أضعف حالاتها، إن لم يقل إنها مهزومة، لكن معارك إدلب الأخيرة أثبتت خلاف ذلك، وأظهرت أن النظام في وضع أسوأ بكثير من المعارضة، وكان هو المبادر عبر الروس بطلب هدنة للقتال لالتقاط أنفاسه، والمعارضة بقليل من ترتيب صفوفها سياسيا وعسكريا وخدميا ومدنيا ستجد نفسها متفوقة على النظام في وقت قصير.