الأربعاء 2019/08/28

 لماذا لم تقاتل “ب ي د” في تل أبيض كما فعلت في عفرين؟

"عفرين الآن محتلّة من قبل الجيش التركي الذي يفترض أن يكون ضمن حدود دولته" والذي "بدل أن يحمي التراب التركي، يحتلُّ منطقة داخل سوريا، وأصبح سبباً في إحداث تغيير ديموغرافي".

كانت هذه تصريحات "نوري محمود" الناطق باسم "المليشيات الكردية، بعد شهرين من القتال مطلع عام 2018، انهزمت على إثرها هذه المليشيات وتخلّت عن مدينة عفرين، وانسحبت نحو منطقة شرق الفرات.

أضاف "نوري محمود" أنّ "المجالس التي شكلها الجيش التركي لإدارة شؤون عفرين هي مجالس بالاسم فقط، ولا تخدم الناس، بل على العكس من ذلك، تغتصب حقوق الناس وتفرض مبالغ مالية ضخمة على أصحاب المواسم.

ويعيش أهالي عفرين عامةً فقراً مدقعاً، ما عدا أولئك الذين أسسوا عصابات ويمارسون الإرهاب بحق الأهالي واغتصاب الممتلكات الخاصة". وبالنسبة له من المؤسف "صمت المجتمع الدولي حيال ما يجري في عفرين".

بالمقابل أعلنت "الإدارة الذاتية لشمال سوريا" التابعة لقسد أنها على مدى الأيام القليلة الماضية، سحبت "الوحدات الكردية" من رأس العين وتل أبيض والقرى المحيطة بهما، قرب الحدود السورية التركية، مع أسلحتها الثقيلة، فيما اعتبرته تنفيذاً للمرحلة الأولى من اتفاق المنطقة الآمنة بين أمريكا وتركيا.

الذي كان قد بدأ بالفعل من الجانب التركي الأمريكي حيث نقلت وكالة الأناضول عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “المروحيات والطائرات التركية من دون طيار دخلت إلى المنطقة، وقريباً جداً، ستدخل القوات البرية التركية إلى هناك”.

ما الفارق بين الأمرين؟ ولماذا انسحبت المليشيات الكردية من هذه المناطق، ولم تقاتل أو تدافع عنها، كما فعلت في عفرين، مع العلم أنها تعتبرها أراضي كردية وجزءاً لا يتجزّأ من إقليم "غرب كردستان"، أو ما تطلق عليه "روج آفا"؟

قسد ذهبت للقتال بعيداً في عمق الأراضي "العربية" في الرقة وفي الشدّادي من ريف الحسكة الجنوبي، وصولاً إلى الباغوز من ريف دير الزور المتاخم للحدود العراقية، فعلت هذا استجابة للمطالب الأمريكية في برنامج مكافحة الإرهاب، وهي تعلم أنها ستغادر جميع هذه المناطق يوماً ما لصالح سكانها المحليين، فهي بالأصل تضع هذه المناطق خارج حدود الإقليم "الكردي" الذي تطالب بحكمه، وهي فعلت هذا كله مقابل أن تحصل على اعتراف من الولايات المتحدة بشرعية إقليمها على غرار ما حدث في شمال العراق الذي يحكمه خصومهم "البرزانيون".

قسد اعتبرت ما جرى في عفرين خيانة لها من قبل الأمريكيين الذين تخلّوا عن دعمهم لها إرضاء للجانب التركي، حين طلبوا منهم الانسحاب من عفرين، فكيف يعلنون اليوم أنهم طرف في اتفاق ثلاثي يضمّهم إضافة للولايات المتحدة وتركيا، وأن هذا الاتفاق ينصّ على انسحابٍ كانوا قد رفضوا مثيله في عفرين، وقاتلوا هناك لمدة شهرين كاملين تكبّدوا فيها خسائر فادحة قبل أن يُضطروا للخروج منها؟

تعترف "الإدارة الذاتية" في بيانها أن الانسحاب من تل أبيض ورأس العين هو المرحلة الأولى من الاتفاق التركي الأمريكي، هذه المرحلة تعني 100 كم هي المسافة الفاصلة بين المدينتين، ومصادر عديدة تتحدث عن مرحلتين تاليتين، واحدة باتجاه غرب تل أبيض وصولاً إلى نهر الفرات بما يتضمّن منطقة عين العرب بكاملها، وأخرى شرق رأس العين وصولاً إلى نهر دجلة والمثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسوريا، أي إن الاتفاق يعني استئصالاً وطرداً كاملاً لقسد من الشريط الحدودي وبعمق متفاوت يصل إلى 40 كم في بعض نقاطه، وقسد المجبرة على تنفيذ المرحلة الأولى يمكنها أن تستمر في تزييف الحقائق والإحصاءات لفترة قبل أن تنكشف تماماً.

ستقول قسد اليوم إن هذه الـ 100 كم هي مدن وبلدات وقرى عربية، هذا الجزء الصحيح من كلام قسد هو السبب الرئيسي لعدم القتال هناك، هذا هو الفارق الأساسي بنظرها بينها وبين عفرين. وبنفس هذا السبب ستغادر قسد الرقة وريف دير الزور وريف الحسكة الجنوبي.

ستوهم قسد الأكراد الآن أنها انسحبت من تل أبيض للحفاظ على المنطقتين المتبقيتين بيدها في عين العرب، والقامشلي. لكن ماذا ستقول لهم حين تبدأ انسحابها حسب هذا الاتفاق نفسه من عين العرب والقامشلي لاحقاً؟

قسد لن تعترف الآن أنّ الاتفاق يعني بداية النهاية لوجودها في سوريا مثلها مثل تنظيم الدولة أو تلك المليشيات الطائفية التي استقدمها النظام، وهي تحاول الالتفاف على هذه النهاية المحتومة بطريقتين:

الأولى: فتح المفاوضات مع نظام الأسد للتوصل إلى اتفاقية تقضي بمنح قسد نوعاً من الحكم الذاتي في مناطق محدودة، وهو ما لن تحصل عليه من طرف النظام الذي يعتبر أن قسد خانته وغدرت به، وهو الذي عمل على تأسيس الوحدات القتالية التابعة لأوجلان، وهو الذي فتح لها معسكرات التدريب في البقاع اللبناني منذ ثمانينات القرن الماضي.

الثانية: ما بدأت به الآن حسب شهادات من ناشطين من أبناء المنطقة، أن عناصر قسد خلعوا اللباس العسكري، واستبدلوه بلباس مدني بغية التغلغل في المؤسسات التي ستدير المنطقة الآمنة، وفي أجهزة الشرطة المدنية التي ستعمل على حفظ الأمن والاستقرار فيها، وهو أيضاً ما لن تنجح فيه، فتركيا ترفض بقاء هذه العناصر تحت أي ستار كان.

يبقى احتمال قدرة قسد على القيام بأعمال انتقامية إن كان على الحدود أو ضد السكان العرب والأكراد على حد سواء، وهو ما يتوقع أن تفعله قبل عودتها إلى جبال قنديل.