الثلاثاء 2019/04/02

على ماذا يعمل المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا؟

فرق شاسع جداً بين أول خارطتي طريق قدّمهما كل من المبعوثَين الأمميين إلى سوريا "دي ميستورا" و "بيدرسن"، ومع أن أكثر من ألف وثلاثمئة يوم تفصل بينهما، لكن ينبغي للمعارضة أن تتأمل الفرق بينهما جيداً، فهذا الفارق الزمني الواسع كما كان له أبعاده الهائلة على الأرض، فهناك أبعاد مثلها حدثت في "اللعبة" السياسية، وكلا الأمرين ليس في صالح المعارضة قطعاً.

الذي نقصده هنا في هذا التقرير الإحاطة غير المعلنة للمبعوث السابق "ستفان دي ميستورا" التي قدّمها لمجلس الأمن بتاريخ 29 تموز/يوليو 2015، التي تضمّنت أول خارطة طريق له، والتي كانت تحت عنوان " مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف" والإحاطة الأولى التي قدمها المبعوث الجديد السيد "جير بيدرسن" بتاريخ 28 شباط/فبراير 2019.

الفارق الجوهري الأول أن "دي ميستورا" وضع خطته على أساس بيان جنيف 30 حزيران/يونيو 2012 الصادر عن الأمم المتحدة، بينما وضع "بيدرسن" خطته على أساس بيان سوتشي 30 كانون الثاني/يناير 2018 الصادر عن "مؤتمر الحوار الوطني السوري"، يفصل ما يزيد على الألفي يوم بينهما، وليس في بيان سوتشي إلا الاتفاق على تأليف لجنة دستورية مشتركة بين النظام والمعارضة "بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254" بينما في بيان جنيف ما يتضمن جميع تدابير بناء الثقة التي وضعها المبعوث الأممي الأول "كوفي عنان" في خطة النقاط الست، بما يشمل وقفا دائما للعنف المسلح بكل أشكاله، و تكثيف وتيرة الإفراج عن الأشخاص المحتجزين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، كما يتضمن "خطوات واضحة في العملية الانتقالية" حدد البيان تسلسلها وفق الشكل التالي:

أولاً: إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية.

ثانياً: على هذا الأساس، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام.

ثالثاً: بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة.

هذا التسلسل بالضبط هو ما اعتمده "دي ميستورا" في خطته الأولى التي وضع تفاصيلها فيما يزيد على مئة بند، لكنه فوجئ برفض مجلس الأمن لها بذريعة أن المجموعة الدولية ليست مهيأة لدعم مثل هذه الخطة، ما يعني عملياً أن مجلس الأمن قد سجّل منذ ذلك التاريخ تراجعه عن بيان جنيف، الأمر الذي اضطر "دي ميستورا" بعد رفض خطته وإغلاق الباب في وجهه إلى اللجوء إلى خطة بديلة تمثلت في ورقة مجموعات العمل الأربع، التي تحوّلت لاحقاً إلى السلال الأربع ومضى يعمل عليها في جولات جنيف السبع التي أدارها إلى أن قدّم استقالته من مهمته قبيل نهاية العام الفائت.

يبدو أن خطة "دي ميستورا" –على بعض الملاحظات التي وضعتها المعارضة عليها يومها-أقلقت المجموعة الدولية، فسارعت إلى عقد مؤتمري فيينا المعروفين، الذي انعقد الأول منهما بتاريخ 30 تشرين أول/أكتوبر 2015، والثاني بتاريخ 14 تشرين ثاني/نوفمبر 2015، واللذين انتهيا إلى تكليف المملكة العربية السعودية بتشكيل هيئة التفاوض، ثم تمّ على إثر ذلك إصدار القرار 2254 الذي ذهب إلى تفسير تنفيذ بيان جنيف بطريقة مغايرة عمّا فعله "دي ميستورا" عندما نصّ في ديباجته على أن تنفيذ بيان جنيف سيكون "بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية" ثم أوضح في البند الرابع منه أنّ ذلك يعني إقامة "حكم ذي مصداقية" ومع أن القرار وضع جدولا زمنيا من 24 شهراً، إلا أنه فتح الباب على مصراعيه لضرب التسلسل الذي كان واضحاً بشكل دقيق في بيان جنيف، لا بل فتح الباب لسقوط "هيئة الحكم الانتقالية" من العملية السياسية برمّتها حين قال "دي ميستورا" في إحاطته أمام مجلس الأمن بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر 2018 "لقد قَصَرَتْ العملية السياسية نفسها على شيء مهم للغاية، ألا وهو اللجنة الدستورية، والبيئة الآمنة والمحايدة، والانتخابات" وهو الإرث الذي تركه "دي ميستورا" لخلفه "بيدرسن" الذي تحدث في خطته ذات النقاط الخمس فقط عن" تعميق الحوار المستمر مع الحكومة السورية والمعارضة حول بناء الثقة في بيئة آمنة وهادئة ومحايدة"، وعن "عقد لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة في أسرع وقت ممكن".

إذن هذا هو الذي يعمل عليه المبعوث الجديد إلى سوريا، وهيئة التفاوض في رسالتها التي وافقت فيها على الانخراط في اللجنة الدستورية، والتي تجاوزت فيها في بندها الثالث القرار 2254، واستشهدت بالقرار 2118 وبيان جنيف الذي يجعل على رأس العملية السياسية "تشكيل هيئة الحكم الانتقالي" التي تعمل هي على تهيئة "بيئة آمنة ومحايدة تجري في ظلها العملية الانتقالية، التي تشمل العملية الدستورية، والعملية الانتخابية" واشترطت في بندها الخامس "ضرورة التزامن بإطلاق العمل بالسلال الأربع معاً" وعليه فإنه يجب على هيئة التفاوض أن تطالب "بيدرسن" بأن لا يجعل أعمال اللجنة الدستورية عائقاً أمام باقي السلال الأخرى، أو أن يكتفي بالعمل عليها فقط حيث إن ذلك يعني أن نتائج عمل اللجنة الدستورية ستكون عبارة عن إصلاح دستوري للنظام القائم حالياً، والذي يعني من جانب آخر الاعتراف بشرعيته، ورجحان استمراره، ولن يعني بحال من الأحوال تطبيق هذه الإصلاحات الدستورية على الحكم الجديد الذي ستنشئه هيئة الحكم الانتقالي.