الأحد 2019/07/14

شمال شرق سوريا خارج ترتيبات الحل السياسي.. ماذا يعني هذا ؟

أخيراً يتنفّس مبعوث أممي إلى سوريا الصعداء، بعد سنوات من انسداد كامل في وجه من سبقه لإحراز تقدّم في العملية التفاوضية بين النظام والمعارضة، حصل بيدرسن على الموافقة لإطلاق أعمال اللجنة الدستورية، مع عدم الإغفال القائم حول هويتها بين اعتبارها لجنة الإصلاح الدستوري المنبثقة عن مؤتمر سوتشي بالرعاية الروسية، وبين اعتبارها لجنة صياغة الدستور الجديد حسب القرار 2254 برعاية الأمم المتحدة، سيتمّ غالباً تجاوز هذا الخلاف بالإعلان عن لجنة تعمل على صياغة إصلاح دستوري، وأن تكون الانتخابات القادمة في البلاد وفق الدستور الجديد.

لكن يبدو أن الأمور حُسمت في هذه المرحلة بعدم مشاركة المليشيات الكردية PYD التابعة لحزب العمال الكردستاني، والمعروفة باسم "قسد" أو "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي يمثلها سياسيا ما يسمى "مسد" أو "مجلس سوريا الديمقراطي"، فبعد استلام المبعوث الأممي الجديد مهمته مطلع هذا العام، بدأت التسريبات عن إمكانية عقد مؤتمر الرياض 3 للمعارضة السورية، وضم قسد إلى صفوفها، وهو ما كان يفسره البعض ضمنيا في إحاطات بيدرسن عن المفاوضات بين الأطراف السورية، وليس بين النظام من طرف وهيئة التفاوض من طرف ثان.

الذي عزّز هذا الاحتمال التصريحات التي كان يدلي بها "سيهانوك ديبو" عضو المجلس الرئاسي في "مسد" والذي كان يعتبر " أن الأجواء تسمح بأن يشارك «مسد» والإدارة الذاتية، وينضم إلى «هيئة التفاوض» واللجنة الدستورية" وأنه " تتحول الأعين بدرجة كبيرة لعقد مؤتمر «الرياض 3»، وإعادة هيكلة «هيئة التفاوض".

رؤية مسد تمثلّت في أنه "يجب إعادة هيكلة هيئة التفاوض، وأن تتصدر مسد موقعها الفعلي فيها، وأخذ موقعها الطبيعي في اللجنة الدستورية –التي تتطلب أيضاً إعادة هيكلة لها-وفق الجغرافية التي تتولى مسد مسؤولية أمنها واستقرارها أي 37%" من مساحة البلاد، كما حذّرت في الوقت ذاته من استبعادها من الهيئة ومن اللجنة الدستورية " بذريعة الفيتو التركي" -على حد قولها- وأرسلت رسالة مبطّنة بالتهديد أنه من الأسلم للسوريين " عدم تغييب أي طرف من أطراف الحل السوري وأفرقائه عن طاولة المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة، فكيف إذا كان بحجم «مسد» الذي باتت قواته مسؤولة حتى اللحظة عن 42 ألف ميل مربع من الجغرافية السورية؟"

هذه التصريحات دعت هيئة التفاوض للإعلان قبل 20 يوماً أنّ " ما يشاع عن عقد مؤتمر الرياض ٣ وضمّ قسد غير صحيح" وأن ضمّ قسد "مرفوض بالمطلق من أغلب مكونات قوى الثورة والمعارضة" وبهذا الإعلان يكون قد أُسدل الستار على منع قسد من المشاركة في هيئة التفاوض وفي اللجنة الدستورية في المرحلة الحالية، لكن إذا عدنا للتذكير بأن قسد مشروع تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، وأن اللجنة الدستورية ستطلق أعمالها قريباً، فما الذي يمكن أن يعنيه ذلك؟

أحد أمرين اثنين:

الأول: الدفع بمليشيات PYD كمنصة مستقلة على غرار ما حدث سابقاً في قرار مجلس الأمن 2254 بالدفع بمنصتي موسكو والقاهرة كمنصات مستقلة إلى جانب هيئة التفاوض في جولات جنيف، ما اضطر الهيئة إلى ضمهما لاحقاً إلى صفوفها، وإلى صفوف اللجنة الدستورية، وهذا يعني حدوث استعصاءات كثيرة في أعمال اللجنة الدستورية، وإعاقة لعملها من جانب "المجموعة المصغّرة" للدول السبع التي تقودها الولايات المتحدة، سيكون هذا أهون الشرّين –كما يقال-فقط نحن أمام عملية دستورية لا تصل إلى شيء بعد جولات عديدة تجريها، ثم يتم فرض قسد بشكل ما لتسهيل التوصّل إلى انفراج في سلّة الدستور، تحصل فيه قسد على بعض المكاسب الدستورية، وعلى شكل من الإدارة الذاتية لمساحة صغيرة من شمال شرق سوريا .

الثاني: وهو الاحتمال الأرجح بحسب معطيات ما يجري على الأرض شمال شرق سوريا، وبحسب التجاذبات الدولية، وعدم وجود تفاهمات بالحد الأدنى على مستقبل هذه المنطقة، وخصوصاً بين الولايات المتحدة وتركيا، ما جعل الولايات المتحدة تتخذ قرارها باستثناء منطقة شمال شرق سوريا من ترتيبات الحل السياسي إلى مرحلة تالية، وتترك النظام والمعارضة في عملية تفاوضية قد تصل بهم إلى ما يمكن أن يسمّى الحل النهائي، بالاتفاق على قضايا الدستور والبيئة الآمنة وحتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية عام 2021، لكن هذا كله لا يشمل منطقة شمال شرق سوريا التي ستتابع -وبشكل منفصل عما يجري على الطرف الآخر- إقامة ما يشبه إقليم كردستان شمال العراق، وبعد ظهور الحكم الجديد في البلاد تبدأ من جديد المفاوضات مع إقليم "شمال شرق سوريا" لترتيب علاقته مع الحكومة المركزية في دمشق.

كلا السيناريوهين سيئ بالنسبة للمعارضة، ولا يمكنها تفاديهما معاً، ويبدو أنه فات الأوان على تفادي الخيار الأسوأ.